نعم، نرى في الإجابة ذروة علم الزركشي في العلوم المختلفةِ مِن الفقه إلى أصوله، ومن الحديث إلى الجرح والتعديل، والدِّراية من الأسانيد إلى المتون، وتظهر في هذا الكتاب قوة الزركشي في التوجيه والتأويل بين الأحاديث المختلفة سندًا ومتنًا، ويتبلورُ مِن هذا الكتاب أيضًا كثرة المصادر التي اطلع عليها الزركشي وإفادته من كتب المتقدمين والمتأخرين وبخاصة من كان ينتحل مذهب الشافعي منهم. وقد جاوز عدد المراجع المذكورة في الإجابة مئة بالإحصاء الدقيق وهذا يدل على سعة مطالعته، وغنى مكتبته، وقوةِ ذاكرته.
واشتهر هذا الكتابُ بين الباحثين والأساتذة في علم الحديث ولا سيما الذين يهتمون بنقد الحديث، فقد رجعوا إليه وأفادوا منه كثيرًا كما رأينا في "منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي" للإدلبي، و "مقاييس نقد متون السنة" للدميني و"منهج النقد عند المحدثين" للأعظمي، إلا أن هذا الأخير قد أخذ على الزركشي في هذا الكتاب قائلًا:
"أما الأحاديثُ التي أوردها الإمامُ بدر الدين الزركشي، فالبعضُ منها غيرُ ثابت سندًا، والبعض الآخر كان في الواقع فتاوى بعض الصحابة خالفوا فيها الأحاديثَ النبوية لعدم معرفتهم بها، فصححت فتواهم، وبعد هذا وذاك أيضًا، تصفو عدةُ أحاديث، رواها الصحابة عن النبي ﷺ فأنكرت عليهم إما معارضة بالقرآن الكريم، أو مبينة الخطأ في الرواية حسب نظرتها، أو استعملت الآيات القرآنية وأضافت إليها الرواية التي كانت ترى أنها صحيحة"(١).
(١) منهج النقد عند المحدثين للأعظمي، ص ٧٧. (ط. الثالثة، سنة ١٩٩٠، مكتبة الكوثر بالمملكة).