وقد يعتذر عن الزركشي بأنه أراد أن يجمعَ كُلَّ ما اطلع على رواية فيها تصحيح السيدة عائشة لخطأ الراوي في روايته، أو فتواه، أو تأويله، أو عمله وإن كانت ضعيفة سندًا. على أنه كثيرًا ما ذكر ضعف الحديث بعدما ساقه وذكر الضعفاء من الرواة، أو سبب ضعفهم كما سيرى القارئ الكريم. وشيء آخر أن الزركشي أكثرَ الروايةَ عن الصحاح ولا سيما من "الصحيحين" و"السنن" والمصنفات، فعدد الأحاديث الضعيفة قليلة بالنسبة للأحاديث الصحيحة. وأما فتاوى بعض الصحابة فأكثرها مستندة إلى الحديث أو السنة وإن لم يصرحوا بأنه قاله رسول الله ﷺ أو فعله، وقد عدَّ بعض العلماء بعض هذه الفتاوى في حكم المرفوع، كما ورد بعضها في الكتب موقوفًا بسند ومرفوعًا بسند آخر.
ثم إن الزركشي لم يشترط في هذا الكتاب بأنه يجمع الأحاديثَ الصحيحة المرفوعة فقط، بل قال في مقدمته:
"وبعد، فهذا كتاب أجمعُ فيه ما تفردت به الصِّديقةُ ﵂، أو خالفت فيه سواها برأي منها أو كان عندها فيه سنة بينة، أو زيادة علم متقنة، أو أنكرت فيه على علماء زمانها، أو رجع فيه إليها أجلة من أعيان أوانها، أو حررته من فتوى، أو اجتهدت فيه من رأي رأته أقوى. موردًا ما وقع إليَّ من اختياراتها، ذاكرًا من الأخبار في ذلك ما وصل إليَّ عن رواتها، غير مدَّع في تمهيدها للاستيعاب، وأن الطاقة أحاطت بجمعِ ما في هذا الباب"(١).
ولا بُدَّ هنا أن نعترِف بأن الزركشي حاول أن يَعُدَّ أربعين خصيصةً مِن خصائص السيدة عائشة في أول كتابه واستدلّ فيها ببعض الرواياتِ