للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورواه مسلم (١) أيضًا عن هشام بن عُروة عن أبيه نحوه بلفظ: "يرحم الله أبا عبد الرحمن، سمع شيئًا، ولم يحفظ، إنما مرَّت على رسول الله جنازة يهودي وهم يبكون عليه، فقال: "أنتُمْ تبكون وإنه لَيُعذَّبُ".

واعلم أن تعذيبَ الميت ببكاءِ أهلهِ عليه رواه عن النَّبِيِّ جماعة مِن الصحابة، منهم عمر (٢) وابن عمر، وأنكرته عليهما عائشةُ، وحديثُها موافق لِظاهر القرآن وهو قولُه سبحانه: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [النجم: ٣٨] وموافق للأحاديثِ الأُخر في بكاء النَّبِيِّ على جماعة مِن الموتى (٣)، وإقراره على البكاءِ عليهم (٤). وكان رحمة للعالمين، فمحالٌ أن يفعل ما يكونُ سببًا لعذابهم، أو يقرّ عليه. وهذا مرجح آخر لِرواية عائشة، وعائشة جزمت بالوهم،


(١) أخرجه مسلم في الباب نفسه برقم (٢١٥٣).
(٢) تقدم في استدراكها على عمر في الحديث الأول، فراجعه.
(٣) نعم، بكى رسول الله على جماعة من الموتى كما ثبت في الأحاديث: منهم: على ابنه إبراهيم: البخاري (١٣٠٣) و (١٣٠٤)، وعبد الرزاق (٣/ ٦٦٧٢)، وابن ماجه (١٥٨٩) على حفيده من زينب: البخاري (١٢٨٤ - ١٢٨٥)، ومسلم (٢١٣٥) على عثمان بن مظعون: ابن ماجه (١٤٥٦)، والترمذي (٩٨٩)، وأبو داود (٣١٦٣) على شهداء مؤتة: البخاري (١٢٤٦، ٢٧٩٨، ٣٠٦٣، ٣٦٣٠، ٣٧٥٧، ٤٢٦٢) على سعد بن عبادة: البخاري (١٣٠٤)، ومسلم (٢١٣٧) على أمه في زيارته قبرَها: النسائي (٢٠٣٦).
(٤) كما ثبت في حديث أبي هريرة عند النسائي (١٨٦٠) قال: مات ميت من آل رسول الله فاجتمع النساء يبكين عليه فقام عمر ينهاهن ويطردهن فقال رسول الله : دَعْهُنَّ يا عمر، فإن العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب. أخرج نحوه ابن ماجه برقم (١٥٨٧). وأخرج ابن ماجه أيضًا (١٥٩١) عن ابن عمر أن رسول الله مر بنساء عبد الأشهل يبكين هلكاهن يوم أحد. فقال رسول الله : لكن حمزة لا بَوَاكي له، فجاء نساء الأنصار يبكين حمزة .. انظر ما أخرجه البخاري (١٢٩٩) ومسلم (٢١٦١) وقد يعد من إقراره .