للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واللائق لنا في هذا المقام التأويلُ، وهو (١) حملُ الأحاديثِ المخالفة لها؛ إما على مَنْ أوصى بذلك، فعليه إثمُ الوصيةِ بذلك لأنَّهُ قد تسبب إلى وجوده، وإما غيرُ ذلك مما ذكره العلماءُ في كتبهم، والذي يُؤكِّدُ قول عائشة في "وَهِم" قولها: "إنه قال لرجل مات يهوديًا: "إن الميت ليعذب" (٢) .. بلام العهدِ، فالظاهر أن ابنَ عمر خفيَ عليه موتُ اليهودي فحملها على الاستغراق. ونظيرُ هذا ما رُوي أنه رأى تاجرًا يَبْخَسُ الناسَ في البيع. فقال: "التاجرُ فاجر" (٣) يعني ذلك الرجل، فرواه بعضهم على أنه للاستغراق، ذكر هذا فخر الدين الرازي في بعض كتبه الأُصولية (٤)، وجعله مِن أسباب الغلط في الرواية، ولا شكَّ أنه من أسبابه، لكن هذا الحديث ليس من هذا الباب، فإن في


(١) وقع في النسخة المطبوعة: وهل وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب).
(٢) أخرجه الترمذي في الجنائز باب ما جاء في الرخصة في البكاء على الميت (١٠٠٤) عن ابن عمر عن النَّبِيّ قال: الميت يعذب ببكاء أهله عليه. فقالت عائشة: يرحمه الله لم يكذب ولكنه وَهِمَ، إنما قال رسول الله لرجل مات يهوديًا: إن الميت ليعذب وإن أهله ليبكون عليه. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح.
(٣) أخرجه أحمد في "المسند" (١٥٥٣٠) بلفظ: إن التجار هم الفجار، قيل: يا رسول الله، أوليس قد أحل الله البيع؛ قال: بلى ولكنهم يحدثون فيكذبون ويحلفون ويأثمون. حديث صحيح.
(٤) انظر: "المحصول في علم أصول الفقه" ٤/ ٣٠٤ تحقيق: طه جابر العلواني، ط ١٩٩٧. قال: ورابعها: أنه ربما خرج الحديث على سبب، وهو مقصور عليه، ويصح معناه به، وما هذا سبيله ينبغي أن يُروى مع سببه، فإذا لم يعرف [سببه] أوهم الخطأ: كما روى أنه قال: "التاجر فاجرٌ" فقالت عائشة : إنما قال ذلك في تاجر دَلَّسَ. وذكر مثله صاحب "فيض القدير" ٦/ ٢١٦، كلاهما بدون إسناد، لذلك لم ينقله الزركشي هنا.