للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: "يا رسول الله إنه مع ما به ولَدُ زنى" فقال: "هو شرُّ الثلاثة" (١) والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤].

وأما قوله: "إن الميتَ يُعذب ببكاءِ الحي" فلم يكن الحديث على هذا ولكن رسولَ الله مرّ بدارِ رجلٍ من اليهود قد مات، وأهله يبكون عليه، فقال: "إنهم ليبكون عليه وإنه ليعذب" (٢) والله يقول: ﴿لَا يُكَلَّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦].


(١) قال الطحاوي في شرح مشكل الآثار، باب بيان مشكل ما رواه أبو هريرة عنه أنه قال: "ولد الزنى شر الثلاثة" (٢/ ٩٠٩ - ٩١٠) فسأل سائل: فقال: كيف يكون أولاد الزنى الذين لا أفعال لهم في الزانين ممن هم منه ممن كان منه الزني، وأعظم ذلك.
فكان جوابنا له أن أبا هريرة نقل عنه هذا الحديث لما ذكرنا، وقد روي عن عائشة إنكارها ذلك عليه، وإخبارها أن النَّبِيّ إنما كان قصد بذلك القول إلى إنسان بعينه لمعنى كان فيه يبين به عن سائر أولاد الزناة.
ثم ساق الطحاوي الحديث من جهة صالح بن شعيب بن أبان البصري بنفس السند وقريبة الألفاظ من رواية الزركشي ثم قال:
فكان في هذا الحديث من رسول الله دفع لما في حديث أبي هريرة الذي رويناه قبله، وكان الذي في هذا الحديث أشبه برسول الله مما في حديث أبي هريرة لأن الله قال في كتابه: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤] وقال: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (٤٠) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى﴾ [النجم: ٣٩ - ٤١] فكان ولد الزنى ليس ممن كان له في زنى أمه، ولا في زنى الزاني بها حتَّى حملت به منه سعي، وبان لنا بحديث عائشة أن قول رسول الله الذي ذكره عنه أبو هريرة: "ولد الزنى شر الثلاثة" إنما كان الإنسان بعينه كان منه من الأذى لرسول الله ما كان منه مما صار به كافرًا شرًا من أمه، ومن الزاني بها الذي كان حملها به منه.
(٢) تخريج الأحاديث في هذا الموضوع تقدم في استدراكها على عمر بن الخطاب وابن عمر.