للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومِنْ هُنا توقن أن حياةَ السيدة بَنَتْ مجدًا باذخًا لِتاريخ المرأةِ العلمي في الإسلام، بل إن عبقريتَها وحدَها كفيلةٌ بملء تاريخٍ كامل.

ولتعلم بعد هذا سيداتُنا، أن امرأة منهن في صدرِ الإسلام تتلمذَ عليها مشيخةُ المهاجرين والأنصار مِن كل حَبْرٍ وعالمٍ وفقيه وقارئ وراوية. وعنها وحدَها نقل ربع الشريعة، كما قال الحاكم في "المستدرك" (١).

وقد ذكر ابن حزم المكثرين مِن الصحابة فيما رُوِيَ عنهم من الفتيا وقدَّمَ عائشة أمَّ المؤمنين على عمر بن الخطاب وابنهِ عبد الله، وعلي بن أبي طالب وابنِ عباس وابنِ مسعود، وزيدِ بن ثابت (٢).

علمًا بأن ابنَ حزم قد فَضَّلَها على جميعِ الناسِ، لأن حبَّ رسولِ الله لها أكثرُ مِن محبته لجميع الناس، فقد فضلها رسول الله على أبيها وعلى عمر وعلى علي وفاطمة رضي الله عن جميعهم تفضيلًا ظاهرًا بلا شكٍّ (٣).

وسُئِلَ شَيخُ الإسلام (ابن تيمية) رحمه الله تعالى عن خديجةَ وعائشةَ أمي المؤمنين أيُّهُمَا أفضلُ، فأجاب:

بأن سبق خديجة وتأثيرَها في أول الإسلام ونصرَها وقيامَها في الدين لم تَشْرَكْهَا فيه عائشةُ ولا غيرُها مِن أمهات المؤمنين.

وتأثيرُ عائشة في آخرِ الإسلام، وحمل الدين، وتبليغه إلى الأُمَّةِ وإدراكها من العلم ما لم تَشْرَكْها فيه خديجةُ ولا غيرُها مما تميزت به عن غيرها (٤).


(١) من مقدمة الأفغاني على الإجابة، ص ٥ - ٦.
(٢) انظر: الإحكام ٥/ ٩٢.
(٣) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم ٤/ ١٩١.
(٤) مجموع الفتاوى، ٤/ ٣٩٣ و ٤٦٢ - ٤٦٣ وبدائع الفوائد، ٣/ ٦٨٤.