للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"وقد تبين بعد استقراء تلك المسائل أن القرآن الكريم كان عندهم المقياسَ الأول، فلم يقبلوا ما خالفه من أحاديث، بل حكموا على رواتها بالوهم والخطأ، وتركوا الأخذ بها والعمل بمقتضاها لمعارضتها لذلك النص القرآني، ويتبين هذا باستعراضِ المسائلِ التي جعلوا فيها معارضةَ الحديث لنص الكتاب كافيةً في رده على صاحبه. وهذا الردُّ ليسَ لحكم رسول الله ، فالقرآن والسنة الصحيحة لا يُمكن أن يختلفا أو يتناقضا، ولعل الناقل أخطأ أو نسي، أو لم ينقل ما سمعه كله، أو فَهِمَ مِن اللفظ النبوي غير ما أراده " (١).

ونرى في مقدمة هؤلاء الصحابة الذين كانوا يعرضون الروايات على القرآن أم المؤمنين عائشة، وقد استدركت على كثير من الصحابة وأشارت إلى أوهامهم وأخطائهم وصححت رواياتهم بهذا المقياس وقد أجادت وأفادت وسنت هذا المنهج الحكيم لمن جاء بعدها إلى يوم الدين.

حتى إننا نراها تذكر رسول الله آيةً من القرآن عندما سمعت منه الحديثَ، فكأنها رأت بينهما تعارضًا، فسألت النبي حقيقة الأمر كما أخرجه البخاري في العلم باب من سمع شيئًا فراجع فيه حتى تعرفه وأن النبيَّ قال: "من حُوسِب عُذِّب" قالت عائشة: فقلت: أوليس يقول الله تعالى: ? ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق: ٨] قالت: فقال: "إنما ذلك العَرْضُ، ولكن مَنْ نُوقِشَ الحِسابَ يَهْلِكُ" (٢).

"وهذا يدل على ما كان عند عائشة مِن الحرص على تفهم معاني الحديث، ومقابلة السنة بالكتاب والمبادرة إلى السؤال عما لم يظهر لها


(١) انظر: مقاييس نقد متون السنة للدميني، ص ٦١ (بالاختصار).
(٢) أخرجه البخاري (١٠٣) وأحمد (٢٤٦٠٥) و (٢٤٧٧٢) و (٢٤٢٠٠).