للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الزركشي: واعلم أن تعذيبَ الميتِ ببكاءِ أهله عليه رواه عن النبيِّ جماعةٌ من الصحابة، منهم عمر وابن عمر وأنكرته عليهما عائشة، وحديثُها موافق لظاهر القرآن وهو قوله سبحانه: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤] وموافق للأحاديث الأخرى في بكاء النبي على جماعة من الموتى وإقراره على البكاء عليهم. وكان رحمة للعالمين فمحال أن يفعل ما يكون سببًا لعذابهم أو يقرَّ عليه (١).

والذي عندي أن السيدة عائشة أنكرت الحديث حيث وجدته معارضًا للقرآن وصححته بالتأويل لا بأحاديثَ سمعتها عن النبيِّ . وأظن أنها أصابت في الردِّ بهذه الآية وأخطأت في تأويلها بقولها: "إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه" لأن حكم هذه الآيةِ الكريمة شاملةٌ للمؤمن بعمومها للمؤمن وللكافر معًا، وما الله يزيد المؤمن ولا الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه إن أخذنا بهذه الآية الجليلة.

والذي يهمنا هنا أنها أنكرت على بعض الروايات بتأويلاتها قائلة: "ما قال النبي ، كذا، إنما قال كذا. . ." وأغلب ظني هنا أن السيدة تعنى بهذا القولِ: "ربما قال النبي أو ولعله قال كذا" ولا تعني الجزمَ والله أعلم بالصواب.

ومثال ثالث لهذا إنكارها على حديث "وَلَدُ الزِّنى شَرُّ الثلاثة" بوجهين:

١ - قالت: "فلم يكن الحديثُ على هذا، إنما كان رجل من المنافقين يُؤذي رسول الله فقال: "من يَعْذِرُني من فلان؟ " قيل: "يا رسول الله، إنه مع ما به ولدُ زنى" فقال: "هو شَرُّ الثلاثة". والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤] (٢).


(١) انظر استدراكها على عبد الله بن عمر (الحديث الأول) من هذا الكتاب.
(٢) المستدرك للحاكم، ٢/ ٢١٥.