المرتبة الثالثة: أن يقول: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا، أو نهى عن كذا، فهذا يتطرق إليه ما يتطرق إلى قوله:(قال) من احتمال الإرسال. ووجه آخر: وهو احتمال أن يكون ظن ما ليس بأمر أمرا، إذ قد يظن غير العموم عمومًا، وغير الأمر أمرًا. ولهذا قال بعض أهل الظاهر: لا حجة فيه ما لم ينقل اللفظ. وهذا غير صحيح عندنا، بل الظاهر أن الصحابي لا يطلق ذلك إلا إذا ثبت عنده بصريح المقال أو بقرينة الحال أنه أمر، وفهم ذلك فهمًا ضروريًا.
أما بناء الأمر على احتمال الغلط فممنوع، وذلك أن أكثر الأخبار المنقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذه الصيغة. ولو قال الصحابي: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثًا، لقبل ذلك منه، ولم نقل: لعله فهم [التوقيت]، ولم يجر في ألفاظ الرسول [للتوقيت] ذكر، وكذلك إذا روى وشرط شرطا، أو عين وصفا.
وما ذكره هؤلاء، يفضي إلى رد معظم الأخبار. والناس من المتقدمين والمتأخرين والفقهاء [والأصوليين] على خلاف ذلك. لكن القاضي قال: لو قال الصحابي: نسخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكم كذا، لم يقبل، حتى يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسخت حكم كذا. وقال: لأنه قد يظن ما ليس بنسخ نسخا. قال: وقد