والثاني- أن المعنى الذي حسن التنكير في الاستفهام، حسنه في التعجب. فإنه لا يتعجب إلا مما خفي سببه، والتنكير مناسب لذلك.
والذي حمل الأخفش على المصير إلى أنها معرفة، الفرار من الابتداء بالنكرة على غير شروطها، فإنما لزم في (٤١/أ) المبتدأ أن يكون معرفة أو قريبا منها، فأولى وأحرى ألا يعرف الخبر، فيخرج الكلام عن الفائدة. وقد يبتدأ بالنكرة إذا أفادت، وذلك في ستة مواضع:
[الأول] إذا وصفت كقولك: رجل عالم خير من جاهل.
الثاني: أن يتقدم الخبر، كقولك: في الدار رجل، وتحتك فرص، وهذا عجيب. والكلام بحالة والمفهوم سواء في التقديم والتأخير، ولكن السبب في ذلك: أن النكرة أحوج إلى الصفة منها إلى الخبر، فإذا وضعت صفتها متأخرة، أمكن تحصيل الغرض الأهم، فلزم أن تقع صفة، وأما إذا قدم قولك: في الدار، لم يتصور أن تكون صفة، لامتناع تقديم الصفة على الموصوف. فلما بطلت الصفة، وهي الأمر المهم عند التأخير، حمل الأمر على الخبر.
فإن قيل: ولم امتنع تقديم الصفة، وجاز تقديم الخبر، وإن كانا لا يقعان إلا تابعين؟ فنقول: الصفة تعد جزءا من الموصوف، وكأن الاسم لا يتم عند السامع إلا بها، والخبر لا يؤتى به إلا بعد أن يفهم السامع المبتدأ، فهو من هذه الجهة غير تابع، وإن كان لا يخبر إلا عن مبتدأ. (٨/ب)