وإذا بطل كون العقل قديما، وجب القطع بحدثه. ثم الحادث لا يخلو: إما أن يكون جوهرا أو عرضا، وباطل أن يكون العقل جوهرا، لأدلة: منها- تماثل الجواهر. ومنها- أنه لا يوجب جوهر حكما لجوهر، مع اختصاص كل واحد بحيزه. ومنها- تجدد حكم العقل على الجوهر مع استمرار وجوده. ويتحقق ذلك بوجوب قيام الموجب بمن له الحكم، فوجب أن يكون من قبيل الأعراض. ولا يصح وقوعه على جميعها، لأنها مضادة. وأيضا فإنه (٢١/أ) يتصف بالعقل مع فقدان جملة من الأعراض.
فإذا ثبت أنه بعض الأعراض، فلا يخلو: إما أن يكون غير المعلوم، وإما أن يكون من العلوم. باطل أن يكون غير العلوم، إذ لو كان كذلك، لصح أن يتصف بالعقل خال عن العلوم كلها. فدل أنه من ضروب العلم.
والذي يحقق ذلك، أنه ما من ضرب من ضروب الأعراض زائد على الحياة، إلا ويصح تقدير العقل مع عدمه إلا العلوم. وإذا كان كذلك، وصح أن العقل من العلوم، ومحال أن يكون جميعها، لصحة الاتصاف بالعقل مع فقدان جملة من العلوم. ولا يصح أن يكون من العلوم النظري، لأن النظر لا يقع ابتداؤه إلا مسبوقا بالعقل. ولا يصح أن يقال: إنه جملة من العلوم الضرورية، فإن العلم بالمحسوسات من الضروريات. وقد يعقل من لا يحس أصلا. فثبت أنه بعض العلوم الضرورية.