أحدها - ادعاء الاستحالة، قالوا: وهذا بمثابة فرض إجماعهم على شيء، ثم رجوعهم بجملتهم عنه، أو كفرض إجماع التابعين على خلاف الصحابة. قالوا: فهذا محال سمعًا، وإن كان العقل يجوزه. قالوا: والشيء يمنع تارة لنفسه، وتارة لإفضائه إلى محال، وهذا يفضي إلى محال، وهو إجماعهم على تجويز (١٧٥/ب) الأخذ بكل قول من القولين، ثم اتفقوا على أحدهما ومنعوا الأخذ بالآخر. وهذا قد بينا ضعفه، وأنه لا مانع منه اعتيادا وشرعا. وقد نقلنا الوقوع. فيغلب على الظن ذلك، ولا دليل يدل على الاستحالة.
وقول القائل: إنه يفضي إلى تناقض في الإجماعين. فغير مسلم، فإنا قد قلنا إن الإجماع عند الاختلاف إنما هو على نفي الثالث. وليس في واحد من القولين إجماع بحال. ولهذا إن الذين نظروا إلى القولين، فاقتصر نظرهم عليهما، جوزوا إحداث قول ثالث. ولا خلاف أنه يجوز الرجوع إلى أحد القولين في القطعيات، كما رجعوا إلى قتال مانعي الزكاة بعد اختلاف. وما ذلك إلا أنه إذا كانت المسألة قطعية، فلا يمكن القول بأن الأمة اجتمعت على تسويغ الأخذ بكل واحد من القولين، ولم يحصل اتفاق إلا على أحدهما أخيرا، فهو إذًا المجمع عليه.
المخلص الثاني: اشتراط انقراض العصر، فإنهم يقولون: لم يحصل إجماع عند الاختلاف، لبقاء المختلفين، فإنما يكون الإجماع على ما انقرضوا عليه. وقد بينا بطلان اشتراط انقراض العصر، فلا يصح أن يكون مخلصا.