وهذا غامض جدًا، فإن جهات المصالح قد تختلف باختلاف الطباع والنفوس، والنظر في العواقب، وما يتعلق بالسياسات. [فرب] أمر لا يرى فيه شخص مصلحة، ويرى غيره فيه مصالح. وكذلك يقال في جانب المفاسد، لا جرم كان هذا الطريق لا ينتفع به إلا [المجتهدون]. فإنه قد يحصل من كثرة الاستقراء، ما يزيل هذا الاحتمال، ورب احتمال ينقدح، فإذا وقعت الكثرة [انمحى] أثره [من القلب] بالكلية، فإنا إذا رأينا [إنسانا] لازمه المرض فشرب له شيئاً فسكن، احتمل أن يكون لأجل ما تناوله، واحتمل أن يكون زال بغير ذلك. فإذا تعوطي مرة ثانية، وزال الألم، قوي في النفس أنه لأجله. فكلما ازداد كثرة، كلما ازداد الظن قوة، حتى ينتهض الأمر إلى حدٍّ يحصل العلم به.
ومن هذا القبيل حصول العلم مرتبا على خبر التواتر. واعترف الإمام رحمه الله بأن التحديد لا يتأتى، وإنما يرجع الأمر إلى التمثيل. وهذا أمر مشكل، فإن الأمثال لا تستقل حججا على الخصوم، وللخصم أن ينازع في المثال الذي نقول نحن إنه شبهي، ويقول [هو]: هو الطردي، وليس عندنا حقيقة كلية تعرض الآحاد عليها، لا جرم لما فهم ذلك، قال في المثال: إنه لا [ينتهي] إلى مقدار غرضنا.