كاتبه، والحواس جارية مجرى جواسيسه وأصحاب الأخبار الصادقي اللَّهجات فيما يرفعونه من الأخبار، فيلتقط كل واحد الخبر من الصقع الذي وكل به فيرفعه إلى صاحب البريد، وصاحب البريد يسقط منه ما يراه حشوًا، ويرفع الباقي صافيًا إلى حضرة الملك فيميزه ويعرف منافعه ومضاره، ويسلمه إلى خازنه إلى وقت الحاجة فحينئذ يتقدم بإخراجه.
قالوا: وكما أن للملك أفعالًا يستعين فيها بغيره، وأفعالًا ينفرد هو فيها بنفسه، والأفعال التي يتولاها بنفسه أشرف مما يفوضها إلى غيره، فكذلك للقوة المفكرة أفعال تفوضها إلى غيرها، وأفعال تختص هي بها، وهي الرؤية والفكر والاعتبار والتصور والقياس والفراسة، فهذه الأشياء تدبير الأمور، فبالفكر استخراج الغوامض، وبالاعتبار تحصيل التجربة، وبالقياس استنباط المجهول بتوسط المعلوم، وبالفراسة الاطلاع على الأسرار.
ونحو هذا المثل مما روي أن كعب الأحبار قال: " دخلت على أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -
فقلت: الإنسان عيناه هاد، وأذناه قمع، ولسانه ترجمان، ويداه جناحان، ورجلاه بريد، والقلب ملك، فإذا طاب القلب طاب جنوده، فقالت: هكذا سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول.