الناس، وبعضهم آثر الاختلاط بهم، وقد أورد كل واحد في مذهبه أخبارا وآثارًا؛ وذلك بسبب اختلاف نظرهما وابتلاء أحدهما بمصاحبة من لم تحمد مصاحبته، ومصاحبة الآخر من تحمد صحبته، والأصل أن اجتماع الناس بعضهم مع بعض أمر ضروري لتعلق أمور بعضهم ببعض، ولهذا لما سمع أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - رجلًا يقول:
اللَّهم اغنني عن الناس، فقال: يا رجل أراك تسأل اللَّه الموت، قل اللَّهم اغنني عن شرار الناس. فالناس لا يستغني بعضهم عن بعض ما داموا أحياء، ثم في المعاشرة والتفرد عن الأخيار الذين يفيدونك ويعينونك ولا يؤذونك مكروه سيما إذا لم تدرب في الفضل ولم تستغن عن اقتباس العلم، وأما عن الأنذال الذين يتدنس بمصاحبتهم فمحمود، وقد قيل: التفرد مكروه إلَّا لثلاثة: لسلطان لإنشاء تدبير المملكة،
وحكيم لاستنباط الحكمة، ومتنسك لمناجاة رب العزة، فإن التفرد يبطل الإنسانية ولا يظهر من صاحبه فضيلة، ومن ظن بالتفرد خيرًا فلأجل أن ليس يظهر منه شيء، وهذا يشاركه فيه الموتى، وفضيلة الإنسان أن يكون خيرًا، لا أن يكون شريرًا، وإن كان زماننا هذا كما قال المتنبي:
إنا لفي زمن ترك القبيح به ... من أكثر الناس إحسان وإجمال
فحق العاقل الفاضل أن يجتمع مع العامة في ظواهر أحكام الشرع، وإقامة وظائف العبادات، وإنالتهم من الفضيلة بقدر الوسع، ويترفع عن منزلتهم في المعارف والأخلاق والأفعال الجميلة، ولمراعاة الحكم الظاهر قال عليه الصلاة والسلام:" عليكم بالسواد الأعظم "، ولمراعاة الترفع عن منزلتهم في المعارف والأخلاق قيل: المروءة التامة مباينة العامة، بل قيل: من استأنس باللَّه استوحش من الناس؛ وذلك لمخالفته إياهم في الخلق وللنهي عن الاغترار بكثير منهم، والركون إليهم، سيما من ليس قصده الآخرة