للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الفعل، نحو ظننت أن تخرج وأن خرجت، وإنما استعمل الظن بمعنى العلم في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ) لأمرين:

أحدهما: تنبيه أن علم أكثر الناس في الدنيا بالإضافة إلى علمه في الآخرة كالظن في جنب العلم.

والثاني: أن العلم الحقيقي في الدنيا لا يكاد يحصل إلا للنبيين والصديقين المعنيين بقوله: (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا.

والظن متى كان عن أمارة قوية فإنه يمدح به، ومتى كان عن تخمين لم يعتمد ذُم به

حيث قال تعالى: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) .

وأما الفراسة: فالاستدلال بهيئات الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله على أخلاقه وفضائله ورذائله، وربما يقال: هي صناعة صيادة لمعرفة أخلاق الإنسان وأحواله، وقد نبَّه اللَّه تعالى على صدقها بقوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥)

وقوله: (تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ)

وبقوله: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) .

ولفظها من قولهم فرس: السبع الشاة، فكأن الفراسة اختلاس المعارف، وذلك ضربان: ضرب يحصل للإنسان عن خاطر لا يعرف سببه، وذلك ضرب من الإلهام، بل ضرب من الوحي، وإياه عني بقوله - صلى الله عليه وسلم -: " المؤمن ينظر بنور الله "، وهو الذي

يسمى صاحبه المروع والمحدث، وقال - صلى الله عليه وسلم -: " إن يكن في أمتي محدث فهو عمر "

وقيل في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)

إن ما كان وحيًا بإلقائه في الروع، وذلك يكون للأنبياء كما قال تعالى:

(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤)

وقد يكون لإلهام في حال اليقظة، وقد يكون في حال المنام؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:

<<  <   >  >>