عليها؛ ولهذا قال كلهم: قولوا: لا إله إلا اللَّه، ولم يدع أحد إلى معرفته تعالى، بل دعا إلى توحيده.
وهذه المعرفة - أعني المكتسبة - على ثلاثة أضرب:
ضرب: لا يكاد يدركه إلا نبي أو صديق أو شهيد ومن داناهم، وذلك معرفته بالنور الإلهي من حيث لا يعتري فيه شك بوجه، كما قال تعالى: (إِإِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا) .
وضرب: يدرك بغلبة الظن الذي يفسره أهل اللغة باليقين، كما قال تعالى: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (٤٦) .
وضرب: يدرك بخيالات ومثل وتقليدات، وإيَّاه عني بقوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) .
فالأول: يجري مجرى إدراكه الشيء من قريب؛ ولهذا قال تعالى في وصفهم:
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) .
والثاني: يجري مجرى إدراكه الشيء من بعيد، وقد يعتري فيه شبهة ولكن تزول بأدنى تأمل كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) .
والثالث: يجري مجرى من يرى الشيء من وراء ستر من بعيد، ولا ينفك من
شبهات كما أخبر تعالى عمن هذه حالته بقوله: (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢) .
ولأجل صعوبة معرفة اللَّه تعالى على الحقيقة حتى يتخلص الإنسان من آفات
الشرك قال تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)
وقال تعالى: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (١١)
وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)
وقال: (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ)
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " من قال: لا إله إلا اللَّه مخلصا دخل الجنة ".
وغاية معرفة الإنسان بربه أن يعرف أجناس الموجودات جواهرها وأعراضها المحسوسة