للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصرف الإنسان عن بعض الأشخاص؛ لكن لم يكفر صاحب النميمة ولم يحكم بقتله، وإنما كفر صاحب السحر وحكم بقتله؛ لأن السحر يقوم على وسائل شركية، والنميمة ليست كذلك (١).

" ذكر ابن عبد البر عن يحيى بن أبي كثير قال: يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة. وقال أبو الخطاب في عيون المسائل: ومن السحر السعي بالنميمة والإفساد بين الناس.

ووجهُه: أنه يقصد الأذى بكلامه وعمله على وجه المكر والحيلة، أشبه السحر، وهذا يعرف بالعرف والعادة أنه يؤثر، وينتج ما يعمله السِّحر أو أكثر فيُعطى حكمُه تسويةً بين المتماثلين أو المتقابلين. لكن يُقال: الساحرُ إنما يكفر لوصف السحر، وهو أمرٌ خاص ودليله خاصّ، وهذا ليس بساحر. وإنما يؤثر عملُه ما يؤثر فيعطى حكمه، إلا فيما اختص به من الكفر وعدم قبول التوبة؛ وقال ابن حزم - رحمه الله -:اتفقوا على تحريم الغيبة والنميمة في غير النصيحة الواجبة" (٢).

"والنميمة على قسمين: تارة تكون على وجه التحريش بين الناس وتفريق قلوب المؤمنين فهذا حرام متفق عليه، فأما إن كانت على وجه الإصلاح بين الناس وائتلاف كلمة المسلمين كما جاء في الحديث: (ليس بالكذاب من ينم خيراً) (٣) أو يكون على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة، فهذا أمر مطلوب كما جاء في الحديث: (الحرب خدعة) (٤)، وكما فعل نعيم بن مسعود في تفريق كلمة الأحزاب وبني قريظة" (٥).


(١) ينظر: الجديد في شرح كتاب التوحيد لمحمد بن عبدالعزيز السليمان القرعاوي (١/ ٢٣٢).
(٢) فتح المجيد (ص ٣٠٩)، الملخص في شرح كتاب التوحيد (١/ ٢١٠).
(٣) أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (٢٦٧٢٩). ولهذا الحديث له شاهد عند البخاري ومسلم فقد أخرج البخاري عن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً) أخرجه في كتاب الصلح، باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس، برقم (٢٦٩٢)، وأخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والأب، باب تحريم الكذب وبيان المباح منه، برقم (٢٦٠٧).
(٤) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب الحرب خدعة برقم (٣٠٢٨)، ومسلم في كتاب الجهاد والسير باب جواز الخداع في الحرب برقم (١٧٣٩).
(٥) تفسير ابن كثير (١/ ٢٣١)، أضواء البيان للشنقيطي (٤/ ٤٦).

<<  <   >  >>