للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخسرت إن لم أعدل) (١)، فقوله: فإنك لم تعدل، جعل منه لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - سفهاً وترك عدل، وقوله: "اعدل"أمر له بما اعتقده هو حسنة من القسمة التي لا تصلح، وهذا وصف تشترك فيه البدع المخالفة للسنة، فقائلها لا بد أن يثبت ما نفته السنة، وينفي ما أثبتته السنة، يحسن ما قبحته السنة، ويقبح ما حسنته السنة، وإلا لم يكن بدعة، وهذا القدر قد يقع من بعض أهل العلم خطأ في بعض المسائل، لكن أهل البدع يخالفون السنة الظاهرة المعلومة.

وثانيها: أن الخوارج جوزوا على الرسول نفسه أن يجور ويضل في سنته، ولم يوجبوا طاعته ومتابعته، وإنما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السنة التي تخالف بزعمهم ظاهر القرآن.

وغالب أهل البدع غير الخوارج يتابعونهم في الحقيقة على هذا؛ فإنهم يرون أن الرسول لو قال بخلاف مقالتهم لما اتبعوه " (٢).

١١ - الجهل بالسنة واقتصارهم على الاستدلال بالقرآن غالباً.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " والخوارج جوزوا على الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه أن يجور ويضل في سنته، ولم يوجبوا طاعته ومتابعته، وإنما صدَّقوه فيما بلغه من القرآن؛ دون ما شرعه من السنة التي تخالف - بزعمهم- ظاهر القرآن؛ وغالب أهل البدع والخوارج يتابعونهم في الحقيقة على هذا، فإنهم يرون أن الرسول لو قال بخلاف مقالتهم لما اتبعوه، كما يحكى عن عمرو بن عبيد (٣) في حديث الصادق المصدوق (٤)، وإنما يدفعون عن نفسهم الحجة؛ إما برد النقل، وإما بتأويل المنقول. فيطعنون تارة في الإسناد، وتارة في المتن، وإلا فهم ليسوا


(١) أحرجه البخاري في صحيحة، كتاب استتابة المرتدين، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم، برقم (٦٩٣٣).
(٢) مجموع الفتاوى (١٩/ ٧٢ - ٧٣).
(٣) هو: عمرو بن عبيد أبو عثمان البصري، القدري رأس المعتزلة، عُرف بالزهد والعبادة، رويت له أقوال شنيعة في موقفه من النصوص، وكذبه العلماء، توفي سنة (١٤٤ هـ).
ينظر: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (١٢/ ١٦٢)، سير أعلام النبلاء (٦/ ١٠٤).
(٤) حديث الصادق المصدوق: عن ابن مسعود رضي الله عنه في القدر، قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ...) الحديث في صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة، برقم (٣٢٠٧)، ومسلم كتاب القدر باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه .. برقم (٢٦٤٣).

<<  <   >  >>