للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أهم الفرق الكلامية التي نشأت بالتزامن تقريباً مع نشأة الجهمية، أو بعدها بقليل، فرقة المعتزلة، وهي من أكبر الفرق الكلامية التي عُرفت بآرائها المستقلة.

المعتزلة من الفرق الكلامية العقلانية المنتسبة للإسلام، ظهرت في عصر التابعين، أواخر العصر الأموي، وانتشرت في العصر العباسي، اعتمدت النظر العقلي المجرَّد أساساً لعقائدها وأفكارها، فخلطوا بين الشرعيات والفلسفة والعقليات في كثير من مسائل العقيدة، وهم فرق وطوائف يجمعهم غالباً القول بالأصول الخمسة المعروفة عنهم، وهي: التوحيد (١)، والعدل (٢)، والوعد والوعيد (٣)، والمنزلة بين المنزلتين (٤)، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (٥) (٦).

إن نشأة الاعتزال كان نتيجة تطور تاريخي لمبادئ فكرية وعقدية وليدة النظر العقلي المجرّد في النصوص الدينية، وذلك نتيجة التأثر بالفلسفة اليونانية والهندية، والعقائد اليهودية والنصرانية (٧).

وقد ارتبط هذا التطور في أصل منشئه بقصة واصل بن عطاء (٨)، مع شيخه الحسن البصري حين دخل رجل على مجلسه فقال: يا إمام الدين، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون


(١) يقصدون به سلب لمعنى الكثرة والتعدد والتركيب فنفوا عن الله جميع الصفات وأولوا كل نص متواتر جاء بإثبات شيء من ذلك.
(٢) يقصدون به نفي أن يكون الله خالقاً لأفعال العباد.
(٣) يقصدون به أنه يجب على الله إنفاذ وعده ووعيده، وإلا كان مخلفاً للميعاد فرتبوا على هذا معاقبة العاصي، وعدم خروج أهل الكبائر من النار، وإنكار الشفاعة لهم.
(٤) يقصدون بها مرتكب الكبيرة فهو عندهم ليس مؤمناً ولا كافراً ولكنه بين الكفر والإيمان في الدنيا وخالد في النار في الآخرة.
(٥) يقصدون به نشر الأصول التي اعتقدوها والأمر بها فأباحوا قتل المخالف والخروج على الحاكم الشرعي.

ينظر لتفسير معنى هذه الأصول: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (١٤١، ١٣٥ - ١٣٦، ٣٤٥ - ٣٥٥، ٦٩٧)، المعتزلة وأصولهم الخمسة وموقف أهل السنة منها أ. د. عوّاد المعتق (١٥١ - ٢٠٧، ٢٠٩ - ٢٥٤، ٢٥٥ - ٢٦٤، ٢٦٥ - ٢٨٢)، مقالات الإسلاميين (١/ ٤٦٦).
(٦) ينظر: الموسوعة الميسرة (١/ ٦٩).
(٧) ينظر: الجهمية والمعتزلة (ص ١٢٧)، الموسوعة الميسرة (١/ ٦٩).
(٨) واصل بن عطاء الغزَّال، أو حذيفة المخزومي البصري القدري، رأس المعتزلة وإمامهم، صاحب عبد الله بن محمد بن الحنفية، كان بليغاً، يلثغ في الراء فيتجنبها، توفي سنة (١٣١ هـ).
ينظر: ميزان الاعتدال (٤/ ٣٢٩)، سير أعلام النبلاء (٥/ ٤٦٤).

<<  <   >  >>