المتقدمين اجتهد رأيه بعد ذلك، ومثل الأشياء بعضها ببعض من النظائر والأشباه، وشارو ثم حكم. وإذا أشكل على القاضي الأمر، ولم يتبين له شيء يحكم به فيه تركه أبدًا، لا يحكم في شيء وفي قلبه منه شك ولا ريب). قال سحنون في كتاب ابنه: إذا كانت شبهة وأشكل الأمر، فلا بأس أن يأمرهما بالصلح. وقال مالك في كتاب محمد في بعض المسائل: لو اصطلحا.
ولا يقضي القاضي بعلمه في المدعى به بحال، سواء علمه قبل التولية أو بعدها، في غير مجلس قضائه، أو فيه قبل الشروع في المحاكمة أو بعده. وقال عبد الملك وسحنون: يحكم بما علم بعد الشروع في المحاكمة.
فرع: فإن حكم بعلمه حيث قلنا: لا يحكم، فقال القاضي أبو الحسن:"لا ينقض عند بعض أصحابنا". قال:"وعندي أنه ينقض". ولو أنكر الخصم بعد الحكم عليه وقال: ما كنت أقررت، ففي قبول حكم الحاكم عليه في ذلك خلاف.
وقال أبو إسحاق التونسي: لم يذكر في كتاب محمد خلافًا فيما رآه القاضي أو سمعه في غير مجلس قضائه أنه لا يحكم به، وأنه ينقض إن حكم به ينقضه هو وغيره، وإنما الخلاف فيما يتقاضى به الخصمان في مجلسه، فإن حكم به فينقضه هو ولا ينقضه غيره. وعبد الملك وسحنون يريان أنه يحكم به مثل قول أهل العراق للضرورة إلى ذلك، كما استعمل علمه في عدالة البينة وتجريحها، ويحكم بعلمه في ذلك. وقال أبو الحسن اللخمي:"قد اختلف إذا أقر بعد أن جلسا للخصومة ثم أنكر، فقال مالك وابن القاسم: لا يحكم بعلمه. وقال عبد الملك وسحنون: يحكم، ورأيا أنهما إذا جلسا للمحاكمة فقد رضيا أن يحكم بينهما بما يقولانه، ولذلك قصدا، فإن لم ينكر حتى حكم، ثم أنكر بعد الحكم، وقال: ما كنت أقررت ب شيء، ولم ينظر إلى إنكاره، قال: وهذا هو المشهور من المذهب". وقال ابن الجلاب "إذا ذكر الحاكم أنه حكم في أمر من الأمور وأنكر المحكوم عليه لم يقبل قول الحاكم إلا ببينة". قال أبو الحسن اللخمي وهو أشبه في قضاة اليوم لضعف عدالتهم.
وقال أيضًا:"ولا أرى أن يباح هذا، اليوم لأحد من القضاة".