للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الصفة الثانية: فإذا قطع يده ورجله وفقأ عينه قصد التعذيب فعل ذلك به، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بمن فعله بالرعاء حسب ما روي في الصحيح عن أنس قال: "إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أولئك لانهم سملوا أعين الرعاء". وإن كان مدافعة ومضاربة قتل بالسيف.

قال القاضي أبو بكر: "والصحيح من قول علمائنا أن المماثلة واجبة إلا أن تدخل في حد التعذيب فلتترك إلى السيف، وإلى هذا ترجع جميع الأقوال. ثم مهما عدل المستحق إلى السيف من غيره مكن، لأنه أسهل.

الباب الثاني: في العفو، والنظر في طرفين

الأول: في حكم العفو، وهو مبني على أن موجب العمد القود أو الدية أحدهما لا بعينه، أو موجبه القود فقط، وفيه روايتان.

التفريع: إن قلنا: الواجب أحدهما لا بعينه، وهي رواية أشهب، فلو عفا الولي عنهما صح، وإن عفا عن الدية فله القصاص، ولو قال: اخترت الدية سقط القود، ولو قال: اخترت القود لم يسقط اختيار الدية، بل له الرجوع إليه، وإن قلنا: الواجب القود فقط، على رواية ابن القاسم وهي المشهور من المذهب، فلو عفا على ما ثبت المال إن وافقه الجانب، ولو مات قبل الإقباض ثبت المال، وإن عفا مطلقًا سقط القصاص والدية، ولو كان مفلسًا لكان له العفو عن القصاص إذ ليس بمال، نعم ليس له العفو عن الدية بعد تقررها، ولو كان استحقاق الدم [الوليين] مفلسين فعفا أحدهما ثم عفا الثاني صح عفو الأول ولم يصح عفو الثاني إلا فيما زاد على مبلغ دينه.

الطرف الثاني: في العفو الصحيح والفاسد، وفيه ثلاث مسائل:

الأولى: إذا أشهد له أنه قتله فقد وهبه دمه فقتله، فروى أبو زيد عن ابن القاسم أنه قال: اختلف فيه أصحابنا، وأحسن ما رأيت ا، يقتل به، لأنه عفا عن شيئ قبل أن يجب، وإنما يجب لأوليائه، بخلاف عفوه عنه بعد علمه أنه قتله. ولو أذن له أن يقطع يده ففعل، لم يكن عليه شئ سوى العقوبة. ولو عفا عن جرحة العمد ثم نزى منها فمات فلولاته أن يقسموا أو يقتلوا لأنه لم يعف عن النفس. قال أشهب: إلا أن يقول عفوت عن الجرح وعما ترامى إليه، فيكون عفوًا عن النفس.

<<  <  ج: ص:  >  >>