وهو مت تجردت دعواه عن أمر يصدقه، أو كان أضعف المتداعين أمرًا في الدلالة على الصدق، أو اقترن بها ما يوهنها عادة، وذلك كالخارج عن معهود، والمخالف لأصل، وشبه ذلك. ومن ترجح جانبه ب شيء من ذلك فهو المدعى عليه.
فإذا ادعى أحدهما ما يخالف العرف، وادعى الآخر ما يوافقه، فالأول المدعي. وكذلك كل من ادعى وفاء ما عليه أو رد ما عنده من غير أمر يصدق دعواه، فإنه مدع، إلا المودع إذا ادعى رد الوديعة فإنه يصدق لترجح جانبه بالاعتراف له بالأمانة. فإن أشهد عليه فهل هو باق على ائتمانه أم لا؟ فيه خلاف ينبني عليه الخلاف المتقدم في كتاب الوديعة.
ثم الدعوى المسموعة هي الدعوى الصحيحة، وهي أن تكون معلومة محققة، فلو قال: له عليه شئ، لم تسمع دعواه. وكذلك لو قال: أظن أن لي عليك شيء. أو قال: لك علي كذا وأظن أني قضيته، لم تسمع.
الثالثة: من قامت عليه البينة فليس له أن يحلف المدعي ما لم يقدم الدعوى الصحيحة ببيع أو إبراء.
الرابعة: إذا قال من قامت عليه البينة: أمهلوني فلي بينة دافعة، أمهل، ما لم يبعد فيقضي عليه، ويبقى على حجته إذا أحضرها. ولو قال: أبرأني فحلفوه، فليحلف قبل أن يستوفي. ولو قال: أبرأني موكلك الغائب، فقال ابن كنانة: يحلف الوكيل أنه ما علم أنه أبرأه ويقبض الدين ولا ينظره، إلا أن يكون الطالب قريبًا على مثل اليومين فيكتب إليه ويحلفه. وقال ابن القاسم: لا يحلف الوكيل، وينظر حتى يجامع صاحبه.
الخامس: إذا ادعى في النكاح أنه تزوجها تزوجًا صحيحًا سمعت دعواه ولا يشترط أن يقول بولي ويرضاها، بل لو أطلق سمع أيضًا. وكذلك في البيع، (بل) لو قال: هي زوجتي لكفاه الإطلاق.
السادس: المسترق إذا ادعى أنه حر الأصل صدق مع يمينه، إلا أن يكون بيد من هو له حائز حوز الملك. وإن ادعى الإعتاق فعليه البينة. والصغير المعرب عن نفسه يدعي الحرية، فإن تقدمت لمن هو في يده فيه حيازة وخدمة لم يصدق في دعوى الحرية، وإن كان متعلقًا به لا يعلم له فيه قبل ذلك حيازة ولا خدمة صدق في دعوى الحرية.
الركن الثاني: جواب المدعى عليه.
وهو إقرار أو إنكار، فإن قال: لا أقر ولا أنكر، ولكن يقيم البينة على دعواه، أو قال للحاكم: لا أحاكمه إليه، أجبره على أن يقر أو ينكر، فإن أبى حبسه حتى يقر أو ينكر، رواه أشهب. وقال أصبغ: يقول له القاضي: إما أن تحاكم، وإما أحلفت هذا المدعي وحكمت له عليك.