[الباب الخامس: في الفساد من جهة تطرق التهمة إلى المتعاوضين]
بأنهما قصدا إظهار فعل ما يجوز ليتوصلا به إلى ما لا يجوز وتذرعاً بشيء جائز في الظاهر إلى باطن ممنوع في الشريعة، حسماً للذرائع وحماية لها.
وقد أجمعت الأمة على جواز كل واحد من البيع والسلف بانفراده، وعلى المنع من جمعهما ولا سبب إلا الحماية. وذلك أن الأغراض لو صحت لأفرد كل واحد منهما. (فلما) جمعا اتهم المتبايعان أن يقصدا الزيادة في السلف، فإذا كان البائع هو المسلف فكأنه أخذ الثمن في مقابلة السلعة والانتفاع بالسلف. وإذا كان المبتاع هو المسلف فكأنه أخذ السلعة بما دفعه من الثمن وبالانتفاع بالسلف. وهذا إنما اعتبر اتهاماً لا تحقيقاً، فإذا منع الجمع بين جائزين محاذرة من الوقوعت في الممنوع أو التطرق إليه فكذلك تحمى الذرائع مما نذكره بعد محاذرة من الوقوع في الممنوع أو التطرق إليه.
إذا ثبت هذا فلا يختلف المذهب في مراعاة ذلك وفسخ العقد إذا كان مما يكثر القصد إليه وتظهر التهمة عليه كبيع وسلف أو سلف حر منفعة، فإن بعدت التهمة بعض البعد وأمكن القصد إليها كشيء تختلف العوائد في القصد إليه، كدفع الأكثر مما فيه الضمان وأخذ أقل منه إلى أجل، فهذا فيه قولان مشهوران.
فأما مع ظهور ما يبرئ من التهمة جملة لكن فيه صورة المتهم عليهم وهو من جنسه، كما لو تصور العين بالعين غير يد بيد، لكن تظهر البراءة من التهمة بتعجيل الأكثر وتأجيل ما هو دونه، فذلك جائز لأن المعول على التهمة وقد فقدت. وقيل: لا يجوز نظراً إلى حماية الباب جملة.
وأصل هذا الباب وهو المعروف عند أهل المذهب ببيوع الآجال اعتبار ما خرج من اليد وما رجع إليها، فإن جاز التعامل عليه مضى وإلا بطل.
فإذا كان المبيع ثوباً مثلاً أو غيره فجعله ملغى كأنه لم يقع فيه عقد أولاً ولا آخراً ولا تبدل فيه الملك، واعتبر ما خرج من اليد خروجاً مستقراً انتقل الملك به، وما عاد إليها وقابل أحدهما بالآخر، فإن وجدت في ذلك وجهاً محرماً لو قرأ بأنهما عقدا عليه لفسخت عقدهما، فأمنع من هذا البيع لما تقدم من وجوب حماية الذريعة. وإن لم تجد أجزت البياعات، ثم تتهم مع إظهار القصد إلى المباح وتمنع إن ظهر القصد إليه حماية أن يتوسلا أو غيرهما إلى الحرام.
وعقد الباب: أن من باع سلعة تعرف بعينها إلى أجل، ثم اشتراها فلا يخلو أن يكون الثمنان من جنس واحد أو من جنسين مختلفين، ولا يخلو أن يكونا عيناً أو طعاماً أو عرضاً.