وقال أشهب وعبد الملك: لا يجوز نقلهن (للشهادة) بحال، لا في مال ولا في غيره، إذ النقل لا يجوز فيه الشاهد واليمين، وإنما تجوز شهادتهن حيث يحكم بالشاهد واليمين.
[الباب السادس: في الرجوع عن الشهادة]
قال محمد: لم يحفظ أصحاب مالك عنه في غرم الشاهد جوابًا، إلا أن جميع أصحابه يرون أن يغرم ما أتلف بشهادته إذا أقر بتعمد الزور. قال عبد الملك بن الماجشون: وإن رجع ولم يقر بالتعمد لم يغرم.
وقال ابن القاسم وأشهب: إن شهدا على رجل بحق واحد ثم قالا قبل الحكم: بل هو هذا، لرجل غيره وقد وهمنا، لم يقبلا في الأولى ولا في الأخيرة. ثم النظر في المشهود به يتعلق بأطراف.
الأول: القصاص، وللرجوع ثلاث حالات.
الحالة الأولى: أن يكون قبل القضاء، فيمتنع القضاء ولو لم يصرح الشاهد بالرجوع ولكن عاد فقال للقاضي: توقف في قبول شهادتي، ثم عاد وقال: اقض فقد ذهب عني التشكك، فقال الإمام أبو عبد الله:"لا يبعد أن يجري في قبولها القولان الجاريان في التشكك قبل الأداء، كما لو سئل عن شهادة فلم يذكرها ثم عاد فقال: تذكرتها"، قال:"، قال: "ولكن اشترط مالك رضي الله عنه في قبول هذه الشهادة البروز في العدالة"، قال: "والواجب قبولها على الإطلاق لأن التشكك يعرض للعالم بال شيء ثم يذهب عنه ويرجع على اليقين.
الحالة الثانية: الرجوع بعد القضاء وقبل الاستيفاء، وفي ذلك خلاف، قال أصبغ: لا يستوفي. وقال ابن القاسم: يستوفي كما في الأموال. وقال أيضًا: القياس نفوذه، واستحسن ألا ينفذ لحرمة الدم، ورأى فيه العقل. ويقرب من قوله هذا قول محمد، في رجوع الشهود بزنى المحصن بعدا لحكم وقبل تنفيذه: إنه لا يرجم ولكن يجلد حد البكر.
الحالة الثالثة: الرجوع بعد الاستيفاء، كما لو شهدا بقتل واستوفى، ثم رجعا، فإنهما يغرمان الدية في الخطأ، وكذلك في العمد أيضًا عند ابن القاسم. وقال أشهب: يقتص منهما في العمد.
ثم حيث قلنا: لا يقتلان، فلا خلاف في عقوبتهما في العمد إذا ظهر عليهما أنهما تعمدا الزور ولم يأتيا تائبين. ولو علم القاضي بكون الشهود كذبوه وحكم، (فأراق) الدم لكان