وهذا منه إشار بأنه هو ومن وافقه من أهل عصره قائلون بها من جهة النقل والاتباع، وأن الخلاف فيها معاندة للسنة.
وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تعاقل المرأة الرجل إلى ثلث الدية" وهذا نص في المسألة.
[القسم الثاني من الكتاب: في الموجب من الأسباب]
والنظر في ثلاث أطراف:
الأول: في تمييز السبب عن غيره، وكل ما يحصل الهلاك معه.
فأما أن يحصل به فيكون علة كالتردية في البئر، أو يحصل عنده لعلة أخرى، ولكن لولاء لم تؤثر العلة كحفر البئر مع التردية فهو (سبب). (فلو) ضرب حاملاً فأجهضت وجبت الغرة لأنه سبب. وكذلك التهديد والتخويف فإنه سبب أيضًا، وقد وقع ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فشارو الصحابة رضي الله عنهم، فقال عبد الرحمن بن عوف: إنك مؤدب ولا شيئ عليك. فقال علي: إن لم يجتهد فقد غشك، وإن اجتهد فقد أخطأ، أرى عليك الدية.
الطرف الثاني: في اجتماع العلة والسبب، كالحفر والتردية. ومهماكانت العلة عدواناً، فالضمان على المردي لا على الحافر، وإن لم تكن عدوانًا [بأن يخطئ] إنسان [فيردى] جاهلاً، نظر إلى الحفر، فإن لم يكن عدوانًا فلا ضمان، وإن كان عدوانًا أحيل الضمان عليه. فإن قيل: بم يكون الحفر عدوانًا؟ قلنا: من حفر البئر في ملكه لتجرية الماء أو لغير ذلك من منفعة ملكه ومصالح نفسه فليس بعدوان، وسيأتي في ذلك مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
منفعة ملكه ومصالح نفسه فليس بعدوان، وسيأتي في ذلك مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
الطرف الثالث: فيما يوجب الشركة. كما إذا حفر رجلان بئراً فانهارت عليهما فمات أحدهما، فقد قال أشهب: على عاقلة الآخر نصف الدية لأنه شرك في قتل نفسه، وأما إن (ماتا) فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف الدية.
وكما لو جرح نفسه وجرحه غيره فمت، وجب له أرض ما قابل فعل الغير، ولا يجب له في مقابلة فعله شيئ.