فأما لو قطع إنسان لآخر وثيقة حتى ضاع الحق الذي فيها، فقال الشيخ أبو الطاهر:((هذا لا يختلف المذهب في ضمانه))، قال:((وأصل هذه المسائل وشبهها: هو أن المباشر للتلف يضمن ما باشره.
فإن فعل فعلاً أدى إلى التلف، إن قرب السبب من المسبب، ولم ينصرف الفعل إلا إلى المتلف، فلا يختلف في الضمان.
وإن بعد السبب بعداً كثيراً، فلا ضمان. وإن قرب لكن المقصود من الفعل معنى آخر، أو لم يكن في غاية التقرب، ولا في غاية البعد، ففيه قولان)). قال:((وكذلك من منع شيئاً بفعل فعله، وكذلك من ترك ما يجب عليه من الفعل، ففي كل ذلك قولان. والخلاف في ذلك كله راجع إلى هذا الأصل)).
الركن الرابع: في صفة الصيد، وفيه يتسع الكلام، وتحصره ثلاثة فصول:
[الفصل الأول: ما يفعله الصائد]
وليقصد إلى اصطياده والذكاة بفعله أو بإرساله، ولا يتأتى ذلك إلا إذا كان الصائد ممن تصح منه النية كما تقدم، وكان الصيد مباح الأكل.
وإذا كان الحيوان مما يصح فيه القصد إلى الذكاة، فرماه بنية ذلك، وعينه وقصد شيئاً فوجده كما قصد استباحه.
فإن وجد غير ما قصد، لكنه مأكول اللحم على الجملة، كما إذا رمى ما ظنه أيلا فوجده بقرة وحش، ففي استباحته بذلك قولان لأشهب وأصبغ، سببهما أن الخطأ في الصفات هل يسري إلى الخطأ في الموصوف أم لا؟
وإن كان غير مأكول اللحم، فلا خفاء أنه لا يؤثر فيه القصد. ولو أرسل ولم يقصد شيئاً معيناً، وإنما قصد ما يأخذ الجارح، أو ما تقتل الآلة مما في جهة محصورة، كمن أرسل على جماعة يراها ولم ينو واحداً منها، أو رأى بعضها أو لا يرى شيئاً منها، لكنها محصورة بموضع لا تختلط بغيرها في الأغلب، كالغار فيه الصيد يرسل جارحة فيه، وينوي أن يأخذ واحداً مما فيه، فالمشهور من المذهب صحة الإرسال على هذه الصفة. وقال أشهب: لا يصح إلا على ما يراه معيناً.
وسبب الخلاف: هل يكون تعيين الجملة كافياً عن الأبعاض، أم لا؟
ولو كان الموضع مما لا ينحصر ولا يمنع من دخول غيره فيه، كالمتسع من الأرض