الفرع اخامس: إن قطع الطريق يثبت بشهادة رجلين ولو من الرفقة، إذا لم يضيفا في الشهادة الجناية إلى أنفسهما، فتجوز على المحاربين شهادة من حاربوه إن كانوا عدولاً، إذ لا سبيل إلى غير ذلك، ولأن المحاربين إن قالوا: ما قطعنا عليكم، فقد أزالوا عنهم الظنة، وإن أقروا فقد صدقوهم في [قطعهم] الطريق عليهم، شهدوا بقتل أو بأخذ مال أو غيره. ولا تقبل شهادة أحد منهم لنفسه، وتقبل شهادة بعضهم لبعض.
(وإذا كان المحارب مشهورًا، كان حاله في الحرابة مستفيضًا، فشهد عليه من يعرفه بعينه أن هذا هو فلان المشهور، (بعينه) أقام الإمام عليه الحد بهذه الشهادة وقتله، وإن لم يشهد عليه هؤلاء الشهود بمعاينة القتل والسلب وقطع الطريق).
وإذا أخذ المحاربون ومعهم أموال، فادعاها قوم لا بينة لهم، فلتدفع إليهم بعد الاستيناء في استبراء ذلك من غير طول، فإن لم يأت من يدعيها دفعت إليهم بعد أيمانهم بغير حمل، ولكن يضمنهم الإمام أياها ويشهد عليهم. قال أشهب: وذلك إذا أقر اللصوص أن ذلك المتاع مما قطعوا فيه الطريق، فإن قالوا: بل هو من أموالنا، كان لهم، وإن كان كثيرًا لا يملكون مثله، حتى يقيم مدعوه البينة.
قال محمد: وما لم يأت له به طالب فهو كاللقطة، كضوال الإبل وغيرها. فإن أضاف الشهود على المحاربين من الرفقة الشهادة لأنفسهم مع الشهادة لغيرهم كقولهم: أخذ مال رفاقتنا ومالنا، لم تقبل شهادتهم، إلا أن يكون مالهم يسيرًا، فتجوز لهم ولغيرهم.
وقال المغيرة وابن دينار: لا يجوز في ذلك أقل من شهادة أربعة، قالا: وإنما تجوز في القطع في الرفقة وفي أموالهم غير الشهداء. ولا تجوز في شهادتهم لأنفسهم.
الجناية السابعة: الشرب،
والنظر في الموجب والواجب.
النظر الأول: في الموجب، فكل مسلم مكلف شرب ما يسكر جنسه، مختارًا من غير ضرورة وعذر، لزمه الحد. ولا يستثنى عن ذلك من كان حديث العهد بالإسلام، بل يجب الحد عليه وإن لم يعلم التحريم. (رواه محمد عن مالك وأصحابه، إلا ابن وهب فإن أبا زيد روى عنه أنه قال: إذا كان كالبدروم الذي لم يقرأ الكتاب ولم يعلم ويجهل مثل هذا، فإنه لا يحد ويعذر. قال محمد: واحتج مالك بأن الإسلام قد فشا، ولا أحد يجهل شيئًا من الحدود، فأما لو علم التحريم وجهل وجوب الحد لحد قولاً واحدًا. ولا حد على الحربي والذمي والمجنون والصبي. من تأويل في المسكر من غير الخمر، فرأى أن ما دون الإسكار منه حلال، فلا عذر له في ذلك، وعليه الحد. رواه محمد).