للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب الثاني: في المنافع المشتركة في البقاع، كالشوارع والمساجد]

فأما الشوارع فللاستطراق وهو مستحق لكافة الخلق، وينتفع بها أيضًا للمجلس والمرابض والمصاطب، وجلوس الباعة فيها للبياعات الخفيفة في الأفنية. وليس بأن تحاز بالبنيان والتحظير.

قال ابن حبيب: وقد مر عمر رضي الله عنه بكير حداد في السوق، فأمر به فهدم، وقال: تضيقون على الناس، ثم حيث قلنا بجواز الانتفاع بالجلوس في الطرق، فمن سبق إلى مكان مباح له الجلوس فيه، فهو أحق به، ولا يزعج منه لغيره.

وأما المساجد فينتفع بها للصلاة والجلوس بها، لها ومن سبق إلى مكان منها لم يزعج منه، بل هو أحق به من غيره، ويجلس فيها للذكر وقراءة القرآن والاشتغال بالعلوم الشرعية والاعتكاف وما أشبه ذلك من الطاعات المشروعة فيها. وخفف في القايلة والنوم فيها نهارًا للمقيم والمسافر، وفي المبيت فيها للمار والمنتاب إلى أن يرتاد.

ولا ينبغي أن يتخذ المسجد مسكنًا، إلا رجل قد تجرد للعبادة فيه لقيام الليل وإحيائه، فلا بأس أن يكون ذلك منه فيه دائمًا دهره إن قوي على ذلك.

قال ابن حبيب: وأرخص مالك أن يطعم الضيق في مساجد البادية، وقال: ذلك شأن تلك المساجد. وكره أن يقوده فيها ناراً.

وأجاز للرجل يكون له سفل وعلو، أن يجعل العلو مسجداً، ويسكن السفل. ولم يجز له أن يجعل السفل مسجدًا ويسكن العلوم، قال: لأنه إذا جعل السفل مسجدًا، قد صار لما فوقه حرمة المسجد.

وروى مالك أنعمر بن عبد العزيز، كان إذ كان بالمدنية أميرًا، ربما بات على ظهر المسجد، فلا تقربه فيه امرأة.

وكان أبو هريرة وغيره من الصحابة والتابعين يصلون على ظهر المسجد بصلاة الإمام في سفله. قال ابن حبيب: وإنما أرخص في مرور الرجل بالمسجد مجتازًا للمرة بعد المرة وما أشبه ذلك، وفي الخاص من الأمر ينوب، وليس على أن يتخذ طريقًا. وكره مالك أن يدخل المسجد بالخيل والبغال والحمير لما ينقل عليها إليه. وكان لا يرى بأساً بالإبل لكون أبوالها

<<  <  ج: ص:  >  >>