للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذا لم يجد المتحري ما يتحرى به إلا سؤال الباعة فليجتزئ منهم باحسنهم توقفًا وأصدقهم قولاً.

قال: ولا يقال في الغلة: إنه لا شبهة فيها، إن كانت الأصول ردية، وإن كانت ملكًا لمن اغتلها كما أخبرتك في طعام من يكتري الأرض بالطعام الذي يخرج منها.

وقد منع سحنون، رحمه الله، رجلاً كسبه من بلد السودان أن يعمل قنطرة يجوز عليها الناس بقر دار سحنون، هذا وكسب بدل السودان لا مطعن فيه علمناه في عينه، وإنما الكراهة في نفس السفر لوجوه أخر، لا في المكسب.

ولو كانت الغلة لا شبهة فيها لجوزنا أن يشتري من طعام من حرث في أرض مغصوبة ببقر مغصوبة، وزريعة مغصوبة ونحن فلا نأمر بهذا ابتداء وإن كان لا ينقض إن وقع، إلا أن الغلة تختار على ما ليس بغلة.

وهكذا هذا الباب كما أشرت لك، إنما يرجع إلى ما كان أمثل فأمثل على قدر الإمكان، وإلى اعتبار الغالب، لئلا يخل بوجه التحري دفعة، وليسلم من أن يكون من الغاشمين الخابطين العشواء في معيشتهم لا يبالون ولا يتحرجون.

[فصل به اختتام الكتاب]

اعلم أن جماع الخير كله في تقوى الله عز وجل واعتزال شرور النس. ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

وقد قيل: إن العاقل لا ينبغي أن يرى إلا ساعيًا في تحصيل حسنه لمعاده، أو درهم لمعاشه، فكيف به مع ذلك إن كان مؤمنًا عالمًا بما أعد الهل عز وجل له من (الثواب والعقاب) على الطاعة والمعصية.

ويحق على العالم أن يتواضع لله عز وجل في علمه، ويحترس من نفسه، ويقف على ما أشكل عليه، ويقل الرواية جهده، وبنصف جلساءه، ويلين لهم جانبه، ويثبت سائله، ويلزم نفسه الصبر، ويتوقى الضجر، ويصفح عن زلة جليسه، ولا يؤاخذه بعثرته.

ومن جالس عالمًا فلينظر إليه بعين الإجلال، ولينصت له عند المقال، فإن راجعة راجعه تفهمًا لا تعنتًا، ولا يعارضه في جواب سائل يسأله، فإنه يلبس بذلك على السائل ويزري بالمسؤول.

وتنتظر بالعالم فيئته، ولا تؤخذ عليه عثرته، وبقدر إجلال الطالب للعالم ينتفع الطالب

<<  <  ج: ص:  >  >>