الطرف الرابع: في العتق وما يتصل به: وإذا شهد شاهدان على مالك لعبد أنه أعتقه عتقًا ناجزًا، والمال يجحد، فقضي عليه بعتقه بشهادتهما، ثم رجع الشاهدان، فإنهما يغرمان للسيد قيمة عبده، لأنهما منعاه من بيعه والانتفاع به، فصارا بذلك كالمانعين له بقتله، ويكون الولاء لسيده لأنهما معترفان بذلك، والسيد يستحق ماله على مقتضى إنكاره، فإن لم يكن له وارث أخذ السيد ماله على مقتضى قوله وقول الشاهدين. وإن كان العتق في أمه وهي تعلم أن الشاهدين مزوران فلا يحل لهما أن تبيح فرجها بالتزوج لأحد.
وإن كان الشهادة بأنه أعتقه إلى أجل فقضى عليه بذلك، ثم رجعا، غرما قيمته حالة، أيضًا، لا، المعتق إلى أجل امتنع فيه البيع، وهو من أعظم المقاصد في الأملاك، وقد حالا بين السيد وبينه، إلا أن السيد إذا أخذ قيمته وقد دخلت فيها قيمة خدمة العبد للسنة التي يعتق لانقضائها، فلا يجمع له بين أخذ الشيء وأخذ قيمته، والشاهدان يقولان: نحن نستحق منافع العبد إلى أجل عتقه لكون السيد أخذ منا قيمتها فيما أخذ، فيستحق الرجوع على السيد بمقدار ما أخذ منا من قيمة هذه المنافع التي أثبتناها حين شهادتنا في يده. فههنا وقع الخلاف في المذهب.
فذهب عبد الله بن عبد الحكم إلى أن هذه المنافع تقوم على غررها وتجويز أن يموت العبد قبل الأجل أو يعيش إليه فيخرج حرًا، فتحط القيمة على هذه الصفة من جملة القيمة التي يغرمانها، وتبقى منافع العبد لسيده على حسب ما كانت قبل أن يرجعا عن الشهادة.
قال محمد: وهذا الذي قاله ليس بمعتدل، لأنه قد تكون قيمة هذه المنافع أوفى من قيمة رقبته فيكون الشاهدان أتلفا عليه العبد ثم لا يغرمان شيء ا.
قال الإمام أبو عبد الله:"وهذا الذي قاله محمد صحيح من جهة الفقه لو أمكن تصوره، ولكنه كالممتنع من جهة العادة لأنه إذا حكم بقيمة الرقبة التي تباع بها ويبقى العبد مملوكًا طول أيام حياته فقد علم قطعًا أن قيمة المنافع المؤجلة قد دخلت في هذا التقويم فلا يصح أن تكون أكثر منه".
(ورأى) سحنون أن تسلم منافع العبد إليهما إلى أن ينقضي الأجل يؤاجران العبد أو يستخدمانه ويحسب ذلك عليهما حتى يستوفيا ما غرما، وما بقي من منافع المدة فللسيد. وإن لم تف منافع المدة بما غرما لم يرجعا بشيء مما بقي على أحد. وكذلك لو مات في أضعاف المدة أو بعد فراغها ولم يستوفيا لم يرجعا بشيء، إلا أن يترك مالاً فيأخذا منه مقدار ما غرماه أو بقي منه بعدما قبضًا في حياته. وكذلك لو قتل لم يكن لهما شيء إلا أن تؤخذ قيمته من قاتله