للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضرب بسوط معتدل بين السوطين.

قال ابن القاسم: ضربا بين الضربين، ليس بالخفيف ولا بالمبرح. ويضرب قاعدًا، ولا يربط، ولا يمد، وتخلى يداه. ويضرب على الظهر والكتفين دون سائر أعضاء. وتضرب المرأة قاعدة، وعليها ما يستر ولا يقي. قال: واستحسن أن تقعد في قفة. ويوالي بين الضرب، ولا يفرق على الأيام، إلا أن يخشى من تواليه هلاك المجلود. ولا يجلد في حاله سكره. ولا يجلد المريض إن خيف عليه، بل يؤخر إلى برئه. ولا يجلد في البرد والحر الشديدين الذين يخشى من جلده فيهما هلاكه، بل يؤخر إلى حيث يؤمن ذلك فيه غالبًا، كما تقدم في الزاني. هذه هي الجنايات الموجبة للحد، وما عداها ومقدماتها فتوجب التعزيز.

والنظر في موجب التعزيز وقدره وجنسه ومستوفيه.

أما موجبه، فهو ما يعصى به العبد ربه من جناية على حق الله سبحانه، أو حق آدمي.

وأما قدره، فلا يتقدر أقله ولا أكثره، بل هو موكول إلى اجتهاد الإمام بحسب ما يراه في جناية جناية، ولا يلزمه الاقتصار على ما دون الحدود، ولا له الانتهاء به إلى القتل.

وأما جنسه، فلا يتخصص بسوط، أو يد أو حبس أو غيره، إنما ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام.

قال الأستاذ أبو بكر: وفي أخبار الخلفاء المتقدمين أنهم كانوا يابلون الرجل على قدره وقدر جنايته، فمنهم من يضرب ومنهم من يحبس، ومنهم من يقاوم واقفًا على قدميه في تلك المحافل، ومنهم من تنزع عمامته، ومنهم من تحل أزراره. قال أصحابنا: ويلزم النكال على قدر القائل والمقول له والقول. فإن كان القائل ممن لا قدر له، أو عرف بالأذى، والمقول له من أهل الخير والصيانة، كانت العقوبة أشد، وإن كانا من أهل الخير والصيانة كانت العقوبة أخف، إلا أن يكون مضمون القول الأمر الخفيف فلا يعاقب، ويزجر بالقول. وإن كان القائل ممن له قدر، وهو معروف بالخير، والمقول له غير ذلك زجر بالقول.

قال مالك: وقد يتجافى السلطان عن الفلتة التي تكون من ذوي المروءات. قال في الكتاب: "ومن قال لرجل: يا سارق، نكل، وأما إن قال له: سرقت متاعي، وكان ممن يتهم، فلا شيئ عليه، وإن لم يكن ممن يتهم نكل. وإن ناداه (يا شارب) الخمر، أو آكل الرباء أو خائن، نكل. وكذلك إن ناداه بثور أو خنزير أو حمار وابن الحمار، أو ناداه بيهودي أو

<<  <  ج: ص:  >  >>