الأول: السبب، وهو كل سفر طويل ليس بمعصية، وفي المكروه تردد.
والمراد بالسفر، ربط القصد بمقصد معلوم، فالهائم لا يترخص. ثم إنما يترخص المسافر بعد مجاوزة السور في المصر الذي لا بناء خارجه ولا بساتين. وروى مطرف وابن الماجشون: أنه لا يقصر حتى يكون بينه وبين المصر ثلاثة أميال، فإن كان حول المصر بناءات معمورة أو بساتين وكانت متصلة به في حكمنه فإذا جاوزها. وإن كان خروجه من قرية لا تقام فيها الجمعة، ولا بناءات متصلة بها ولا بساتين، قصر إذا فارق بيوت القرية، (وإن) اتصل بها شيء من ذلك فحتى يفارقه.
وإن كان خروجه من بيوت العمود قصر بمفارقته الحلل، ثم حيث قلنا: يقصر منه، فإنه يقصر إليه، وفي المجموعة: يقصر حتى يدخل منزله.
فإن رجع المسافر لأخذ شيء نسيه، لم يقصر في رجوعه إلى وطنه. وقال ابن الماجشون: يقصر حتى يصل وطنه، وفي الموازية مثله.
ولا يقصر بعد وصوله وطنه الذي فيه أهله، فإن كان رجوعه إلى غير وطنه وكان يقصر فيه قبل خروجه، قصر الآن أيضا، وإن كان يتم بالمكان قبل خروجه، فقيل: يتم في رجوعه، وقيل: يقصر.
ثم نهاية سفره منتهى قصده، إلا أن ينوي إقامة في أضعاف سفره، فيكون مكان الإقامة هو المعتبر. وقيل: يلفق المسافة بما قبل الإقامة وما بعدها.
وهذا الخلاف أيضا جار في تلفيق الإقامة، وعليه تخرج مسألة الكتاب فيمن دخل مكة فأقام بها بضع عشرة ليلة فأوطنها، ثم بدا له أن يخرج إلى الجحفة فيعتمر منها، ثم يقدم مكة فيقيم بها اليوم واليومين، ثم يخرج منها، هل يقصر الصلاة في اليومين أو يتم؟ فأجاب أولا بالإتمام تعويلا على التلفيق، وكأنه ضم اليومين إلى ما قبلهما من المسافة، ثم أجاب بالقصر بناء على ترك التلفيق، وكأنه أضاف اليومين إلى ما بعدهما من السفر وهو يقصر فيه، قال ابن القاسم:" وهو أعجب إلي من الأول ".
وتخرج على تلفيق الإقامة مسألة: من سافر في البحر من موضع، ثم درته الريح إليه، فهل يقصر فيه أم يتم؟ ولا شك أنه يتم إن كان الموضع وطنه، وإن كان غير وطنه ولم ينو فيه دوام الإقامة، فهل يقصر؟ قولان، ولا يحتسب المسافر بالعود إلى وطنه، ولو لم تتخلله إقامة أصلا.