وهذا القول الثاني هو الذي اختاره الإمام أبو عبد الله في تأليفه الذي ألفه في هذه المسألة، وسماه ((بكشف الغطاء عن لمس الخطأ))، واحتج له بأنه لا رافع للحل المستصحب في الزوجة إلا آية تحريم المصاهرة، وهي لا تتناول البنت إذ ليست من نسائه في الحال، كالزوجة، ولا تصلح أن تكون من نسائه في المآل كالأجنبية.
فروع: الأول: في بيان مقتضى المذهب فيما ذكر القائلون بالقول الأول. قال الإمام أبو عبد الله: وجمهورهم على أن المذهب فيه على قول واحد لا يختلف، بخلاف ما وقع من ذلك عن قصد وعمد، قال: وقال ضعفاؤهم: بل يتخرج على الروايتين في انتشار الحرمة بالزنى، وحكى عن شيخه أبي محمد عبد الحميد أنه كان يرى أنه وهم فاسد ممن حكي عنه.
الفرع الثاني: في بيان مرادهم باجتناب الزوجة، والظاهر من إطلاقهم الأمر باجتنابها [تحريمها]، ووجوب فراقها والإجبار عليها وهو مذهب جمهورهم.
ونقل عن الشيخ أبي الحسن والشيخ أبي عمران أنهما إنما كانا يريان الاجتناب والمفارقة على وجه الاستحباب والاحتياط لا على وجه الإيجاب والإجبار، وهو مذهب أبي الطيب عبد المنعم، فإنه أمر بالفراق وتوقف في الإجبار.
الفرع الثالث: فيمن وطئ امرأة مكرهاً، هل تنتشر الحرمة بوطئه ذلك أم لا؟ قال الإمام أبو عبد الله: حكم هذه المسألة يتخرج على الخلاف في وطء المكره هل يعد زنى، فيحد فيه، أو يعذر بالإكراه فيسقط عنه الحد؟ قال: فإن قلنا بالأول، كانت المسألة على الروايتين في انتشار الحرمة بوطء الزنى، وإن قلنا بأنه يعذر ويسقط الحد عنه، جرى مجرى الوطء على وجه الغلط، وقد تقدم الكلام عليه.
ويتم المقصود من بيان تحريم المصاهرة بذكر فروع متتالية في الجمع بين الأم وابنتها بعقد نكاح أو بملك يمين.
أما عقد النكاح فإن عقد عليهما عقداً واحداً، فهو فاسد. ثم إن دخل بهما جميعاً حرمتا عليه على التأبيد. وكذلك الحكم في وطئه لهما جميعاً حيثما وقع بعقد نكاح، أو بملك يمين، أو بشبهة أحدهما، وقد تقدم حكم الحرام المحض.
وإن لم يدخل بهما، ولا بواحدة منهما، فلا تحرم البنت عليه بلا خلاف.