قال أبو القاسم بن محرز: هذه المسألة تدل على أن للسيد أن يكره عبده على قبول الهبة. لولا ذلك لم يكن لهبة السيد تأثير، ولا كان يعتبر قصده فيها، لأن العبد قادر على أن لا يقبلها كيف ما كانت نية سيده فيها، ولكن لما كان له أن يجبره اعتبر في الكتاب قصده، وحمل الأمر على إرادته، فإن سلمت صحت هبته وفسد النكاح، وإن لم تسلم إرادته بطلت هيبته وثبت النكاح.
النوع الثاني: مانع على الجملة في بعض الأحوال وهو الرق الثابت على الزوجة لغير الزواج، فلا ينكح الحر المسلم مملوكة الغير إلا بشروط، [عدمه] الطول، وخوفه العنت، وكونها مسلمة.
وروي أنه يجوز للحر نكاح الإماء المسلمات مطلقاً من غير اعتبار بالشرطين الأولين، وإذا فرعنا على المشهور، فالنظر في الطول والعنت.
أما الطول: فهو المال الذي يتزوج به الحرة، ولا تراعى قدرته على النفقة.
وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: تراعى قدرته على النفقة حتى لو وجد صداق الحرة وعدم النفقة عليها تزوج الأمة. وروى أن الطول وجود الحرة نفسها في عصمته.
وإذا فرعنا على أنه المال، فلو عدم ما يتزوج به الحرة لأبيح له تزويج الأمة، وإن كانت تحته ثلاث حرائر إذا خشي العنت معهن.
قال القاضي أبو بكر:((ولو قدر على طول حرة كتابية لنكح الأمة، ولو وجد حرة فغالته في المهر بمقدار بعد قبوله إسرافاً ولم يجد غيرها نكح الأمة، ولو قنعت بدون مهر المثل وهو قادر عليه لم ينكح الأمة)).
وأما العنت، فهو الزنى، وإنما يتم بغلبة الشهوة وضعف التقوى. فإن قوي التقوى وأمن من نفسه، لم ينكح. فإن خاف العنت مع القدرة على الطول، كمن هوى أمة بعينها، ولم يمكنه الصبر عنها، فروى محمد وابن حبيب: أنه يجوز له أن يتزوجها.
وخرج القاضي أبو الوليد هذه الرواية على رواية عدم اعتبار الشرطين، أو على أن المراد بالطول ما يصل به إلى استباحة ما خاف على نفسه العنت بالامتناع منه من ثمن أمة على اختيار مالكها، أو مهر حرة على اختيارها إن كانت معينة. والقادر على سرية لا يخاف العنت معها، لا يترخص بنكاح الأمة.