وإن كانت القيمة أقل من الثمن فسخ البيع الأول أيضاً، لأنه الأصل، فيكون العقدان كالعقد الواحد فيفسخان.
الفرع الثامن: في بيان أحكام بياعات قد عرفت بأهل العينة.
فمنها أن يقول الرجل لأحدهم: اشتر لي هذه السلعة وأربحك فيها، فإن سمى الثمن وأوجب البيع إلى أجل منع، لأن يؤول إلى سلف جر منفعة، وإن كان على النقد، فهل يجوز ويكون له جعل المثل أو يمنع؟ فيه قولان. وإن لم يسم الثمن ولم يوجب البيع كره ولا يفسخ إن نزل، ويكون له جعل المثل.
ومنها أن يشتري من أحدهم سلعة بعشرة نقداً وبعشرة إلى أجل، فيمنع منهم خاصة، ويقدر كأنه اشتراها ليبيع منها بعشرة يدفعها نقداً ويبقى له باقي السلعة يبيعه لينتفع بثمنه معجلاً، ثم يدفع عنه عشرة مؤجلة، والغالب أن السلعة لا تساوي العشرين فيؤول إلى ذهب في أكثر منها.
ومنها أن يكون الإنسان منهما يشتري ليبيع، لا ليأكل، فيبيع منه إنسان طعاماً مثلاً بعشرة إلى أجل، فيقول المشتري: بعته بثمانية، فحط عني من الربح قدر الدينارين، فيمنع إذا كان المقصود البيع، وكانا أو أحدهما من أهل العينة.
قال: لأن أهل (العينة) يتراضون على ربح العشرة اثني عشرة أو غيره، فإذا باعها فنقص ذلك عن تقديرهما حطه حتى يرجع إلى ما تراوضا عليه. وقد كرهه ابن هرمز.
وبالجملة: فهؤلاء قوم علموا فساد سلف جر منفعة، وما ينخرط في سلكه من الغرر والربا، فتحيلوا على جوازه بأن جعلوا سلعاً حتى تظره فيها صورة الحل، ومقاصدهم التوصل إلى الحرام، وقد قمنا أن أصلنا حماية الذرائع وسحب أذيال التهم على سائر (المتعاملين) متى بدت مخايلها، أو خفيت وأمكن القصد إليها من المتعاملين.
وقد قال الأصحاب: إذا كانت البيعتان الأولى منهما إلى أجل، اتهم في ذلك جميع الناس، فإن خرج ذلك إلى شيء من المكروه فلا تجزه.
وإن كانتا نقداً فلا يتهم في الثانية إلا أهل العينة فقط. وكذلك إذا كانت الثانية هي المؤجلة. وقيل: بل يتهم في هذه جميع الناس.
قال أصبغ: وإذا كان أحدهما من أهل العينة فاعمل على أنهما جميعاً من أهلها.