فإن قيل: هل ضمان المرهون من الراهن أو المرتهن؟. قلنا: ليس المرهون بأمانة محضة فيكون [ضمانه] على الإطلاق من مالكه، ولا هو مقبوض لمجرد منفعة قابضة فيكون ضمانه منه، وإذا أخذ شبهاً من الأمرين لم يثبت له حكم أحدهما على التجديد، بل نفصل فنقول: المرهون قسمان: أحدهما: ما لا يغاب عليه كالحيوان والعقار ونحوهما، فهذا ضمانه من راهنه، ولا يضمنه المرتهن إلا أن يتعدى، والقول قوله في تلفه إلا أن يظهر كذبه في دعوى التلف مثل أن يدعي هلاك الدابة في قرية يكون بها أهل العدل. ولم يعلم أحد منهم موتها. ولو قالوا: ماتت دابة ولا نعلم لمن هي قبل قوله: إنها هي، ويحلف على ذلك.
والقسم الثاني: ما يغاب عليه كالثياب والسلع ونحوها. فهذه إن كانت في يد غير المرتهن بإذن الراهن فهي كالأول، وإن كانت بيد المرتهن فلا يقبل قوله في هلاكها إلا ببينة على التلف، (فإن لم تقم بينة على التلف)، ضمن وإن أقامها لم يضمن عند ابن القاسم في قوله وروايته. وهو قول عبد الملك وأصبغ ومحمد. وضمنه أشهب في قوله وروايته أيضاً.
ومأخذ القولين النظر إلى أنه متهم فتزول التهمة عنه بالبينة، أو إلى أنه دخل على الضمان فلا تبرئه البينة منه.
فإن شرط في ما يغاب عليه ألا يضمنه، وأن يقبل قوله فيه، فهل يبطل شرطه ويضمن إن لم تقم بينة بالتلف، أو يصح ويصدق؟ قولان لابن القاسم وأشهب. وروى ابن القاسم قوله.
فنظر ابن القاسم إلى أنه شرط خلاف مقتضى الحكم فلا يصح ولا يفيد. ونظر أشهب إلى أنه دخل على أنه لا يضمن فزالت العلة المقتضية للضمان عنده، والله أعلم.
أما تصرفات المرتهن فهو ممنوع من جميعها، وليس له الانتفاع أصلاً، فإن وطئ فهو زان عليه الحد، ولا يعذر إن قال: ظننت أنها تحل لي.
ثم هذه الأحكام تثبت في غير المرهون، فإن فاتت بالجناية (عليه) فأخذت (منه) القيمة، فقال ابن القاسم: إن جاء ربه برهن مثله أو بما فيه ثقة من الحق أخذ القيمة.
قال محمد: وبه أقول، إلا أني أقول: إن كانت القيمة دراهم أو دنانير، وحقه من نوعها عجل له، وإن كان على غير ذلك كانت القيمة رهناً بحقه إلى أجله. ثم حيث عوض عن التلف