في المعاوضة الثانية، ويحذر فيه من بيع وسلف وفسخ دين في دين.
وأصل أشهب: أن هذه المعاملة ليست بفسخ للعقد الأول تحقيقاً ولا تقديراً، وإنما هي معاوضة على ترك منازعة وإسقاط حق عن قيامه بالعيب، فيعتبر ما يجوز أخذه عوضاً عن الإسقاط.
واختلافهم هذا يلاحظ أصلاً مختلفاً فيه في المذهب، وهو أن من خير بين شيئين هل يقدر أنه مالك لما يختاره قبل اختياره أم لا؟ فإن المتمسك بهذا العيب ملك أن يتمسك به وأن يرد، فهل يقدر أنه ملك الرد قبل اختياره فيكون الصلح على ما ملك في هذا العين أو لا يكون مالكاً إلا لما اختاره وهو التمسك.
وبيان الأصلين بالتمثيل: أن من اشترى عبداً بمائة دينار مثلاً، ثم ظهر على عيب بعد النقد جاز أن يصالحه على الرد بكل شيء يدفعه إليه معجلاً، ويشترط فيما يدفعه من العين أن يكون من سكة الثمن لا من غيرها، فإنه على أصل ابن القاسم يقدر على أن المشتري رد بالعيب، ووجب له على البائع ارتجاع المائة، فإذا أخذ منه عرضاً أو طعاماً صار البائع كأنه دفع عن مائة وجب عليه ردها العبد وما دفع عن (العيب) من عرض أو طعام، وذلك جائز.
ولو صالحه على دراهم كثيرة أكثر من صرف دينار نقداً، لم يجز على أصل ابن القاسم، لأنه بيع وصرف لا يجوز عنده إلا في ما قل.
وأشهب يجيز ذلك، لأنه لا يمنع الصرف والبيع في عقد واحد، مع أنه لو منع ذلك لجازت المسألة على أصله أيضاً لكونه لا يرى الصلح معاوضة عن الثمن الذي قبضه البائع، وإنما يقدره معاوضة عن إسقاط القيام بالعيب.
ولو صالح على عشرة دنانير يدفعها للمشتري إلى شهر، لكان ممنوعاً عند ابن القاسم لأنه يقدر أن البائع فاسخ المشتري في البيع، ووجب رد المائة بأسرها، وأخذ عبده فقبل المشتري منه تسعين منها معاوضة على العبد الذي أبقاه المشتري في يده بشرط أن يؤخر البائع بالعشرة الباقية إلى أجل، فيصير هذا بيعاً للعبد بتسعين على أن يسلف المشتري البائع العشرة التي وجبت له معجلة فأخرها إلى أجل، وتأخيرها سلف للبائع، والبيع والسلف محرم، وإذا وقع هذا أجري على أحكام البيع والسلف.
ومقتضى أصل أشهب جواز هذا لأن العشرة التي يدفعها البائع إلى شهر ليست معاوضة عن العبد، لكنها معاوضة عن إسقاط القيام، وذلك جائز. وكذلك لو صالحه على دراهم مؤجلة لجاز عند أشهب، ولم يره صوفاً متأخراً. ومنه عند ابن القاسم.
ولو صالحه قبل النقد على دنانير فنقدها له لم يجز، لأنه أعطاه عبداً ودنانير في مائة دينار