ولو وهبها الموهوب له، ثم مات الواهب، (فروى) ابن حبيب عن مالك ومطرف: أن الهبة حوز. وقال ابن القاسم وابن الماجشون: الهبة لا تكون حوزًا، لأنها محتاجة إلى حيازة.
ومن حبس داراً فسكن في بيت صغير أو شيء يسير منها، أو دوراً عدة فسكن داراً منها يسيرة فيما بقي، حاز الكل، ما سكنه وما لم يكن، ويبطل ما سكن، ولم يفرق في الموضعين بين القليل والكثير. وقيل: يبطل الجميع.
فروع: في هبة ما تحت يد الغير، ومقصودها النظر في أنه هل يقوم استمرار قبضه مقام قبض الموهوب له في حصول الحوز، أم لا؟
الفرع الأول:: إذا وهب ما تحت يد الغاصب، فقال ابن القاسم وأصبغ: لا تكون حيازته حيازة للموهوب له. وقال أشهب: بل هي حيازة. قال محمد: وهو أحسن، لأن الغاصب ضامن، فهو كدين عليه، فإن حوزه بالإشهاد. واختاره سحنون. وأنكره يحيي.
فأما إن وهب المودع ما تحت يده، فلم يقل: قبلت، حتى مات الواهب، فقال ابن القاسم: القياس أن تبطل. وقال أشهب: بل هي جائزة، وهي حيازة، لأن كونها بيده أحوز الحوز. قال في كتاب محمد: إلا أن يقول: لا أقبل. قال محمد: وهو أحب إلي.
وكذلك من وهبته هبة، فلم يقل: قبلت، وقد قبضها لينظر رأيه، فمات الواهب، فهي ماضية إن رضيها، وله ردها.
وروى عيسى عن ابن القاسم "في امرأة تصدقت بمهرها على زوجها، فأعطته كتابها، فقبله، ثم تسخط بعد أيام فرد عليها الكتاب فقبلته بشهادة بينة، فلا شيء لها عليه، بمنزلة عطية منه لم تقبض". قال:"وإن تصدقت عليه بصداقها فقبله، ثم منت عليه، فجدد لها كتابًا يكون عليه حالاً أو إلى موته، فهذا إن لم تقبضه في صحته فهو باطل".
وروى عنه، أيضًا، "فيمن سأل زوجته في مرضه أن تضع عنه مهرها، ففعلت، ثم رجعت بعد صحته أو موته: فليس لها ذلك، بخلاف وضع ميراثها. وقاله مالك".