للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتى المسجد وهو حافل من قريش. فلما رأوهم رأوا أنهم قد خرجوا من شدة الجوع وأتوا ليعطوهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فتكلم أبو طالب فقال: إنه حدث أمر لعله أن يكون بيننا وبينكم صلحا، فأتوا صحيفتكم، وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا فيها قبل أن يأتوا بها، فأتوا معجبين لا يشكون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدفوع إليهم، قالوا: قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد قد جعلتموه خطرا لهلكة قومهم. فقال أبو طالب: لأعطينكم أمرا لكم فيه نصف، إن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني أن الله بريء من هذه الصحيفة التي في أيديكم ومحا كل اسم له فيها، وترك فيها غدركم وقطيعتكم. فإن كان ما قال حقا فوالله لا نسلمه لكم حتى نموث عن آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلا دفعناه إليكم فقتلتموه أو استحييتموه. قالوا: قد رضينا. ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر. فقالوا: هذا سحر من صاحبكم. فارتكسوا وعادوا لشر مما كانوا عليه. فتكلم عند ذلك النفر الذين تعاقدوا ومزقت الصحيفة (١)).

فمع أن أبا طالب غير مسلم. لكن ثقته بصدق ابن أخيه لا حد لها بل استعد لتسليم محمد ليقتل إن لم يصدقه. ومضى يراهن قريشا على ذلك. فهو يبحث عن أية وسيلة لفك هذا الحصار ومع ذلك أصرت قريش على موقفها واعتبرت الأمر من سحر محمد عليه الصلاة والسلام. ولا شك أن هذا الأمر الذي فضح قريشا ببغيها وظلمها، جعل لدى هؤلاء النفر أرضية مناسبة للتحرك ضد الصحيفة. فقدرة الدعاة إلى الله على إيضاح الظلم الواقع عليهم له أثر كبير في كسب قلوب بعض الأعداء وانتصارهم لهم.

فإذا أردنا للحركة الإسلامية أن تخترق مصاعب المحنة، فلا بد لها من إعلام مناسب ينفد إلى قلوب أعدائها، ليضطرها إلى الموقف المناسب. ولا بد لها من اليقظة الدائمة لتصل إلى الثغرة الضعيفة في صف خصومها فتنفذ منها، ولقد مثل أبو طالب صورة الحليف الشريف الذي ربط حياته


(١) مختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب ص ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>