بعد وفاة أبي طالب تحركت الحمية في رأس أبي لهب، حين رأى تكالب قريش على إيذاء ابن أخيه محمد. فجاء إليه قائلا: اذهب يا ابن أخي وما كنت تصنعه وأبو طالب حيا فاصنعه.
وكان لهذا الموقف وقع الكارثة على قريش، التي خططت بذكائها لتدمير هذه الحماية، ونجحت أيما نجاح حين أوعزت لأبي لهب أن يسأل رسول الله عن عبد المطلب، وكان رسول الله بين أمرين فالسؤال واضح ومحدد: إما أن تستمر الحماية مقابل مهادنة في كلمة واحدة من دين الإسلام ومساومة فيها، وإما أن تنهار الحماية كلها لو تحدث عن حكم الله في عبد المطلب. وما كانت الحماية في يوم من الأيام على حساب هذه العقيدة فقال لعمه أبي لهب: هو في النار. فقال أبو لهب: ما زلت عدوا لك أبدا. وعاد فانضم إلى معسكر قريش.
وإذا تساءلنا عن سبب إصرار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إيضاح حكم الله في عبد المطلب، وخسارته مقابل ذلك أضخم حماية تتحقق له وللمسلمين، لكان الجواب هو: أن عدم إيضاح هذا الحكم يعني أن عبد المطلب على حق، وقريش كلها على ملة عبد المطلب، فلا داعي إذن للمفاصلة بين الفريقين، ويمكن أن يكون اللقاء بين الكفر والإسلام في منتصف الطريق. وعلى ضوء هذا الهدى تسير الحركة الإسلامية في تعاملها مع أعدائها.
إنها أولا: تفرق بين العدو الذي يود استئصالها، والعدو الذي يحاول حمايتها.
وهي ثانيا: تتقبل كل هدنة، أو حماية مع خصم يوقف حربه عليها، ويهيء سبل الدعوة لها.
وهي ثالثا: عندما تقبل هذا الأمر، لا تقبله على حساب عقيدضها، أو