وهو أمر أحوج ما يكون الدعاة إليه. فلقد كان تلقي القرآن يتم هناك، وحين ينصرف المسلم بزاد حصيلته بضع آيات من القرآن نزل بها روح القدوس على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانت هذه الآيات كفيلة أن تنشىء هذا الجيل القرآني الفريد. ولم يكن هذا الجيل يتلقى إلا هذا الوحي من القرآن أو من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فينزع به كل أوضار الجاهلية وعقائدها وقيمها، وتنسكب في قلبه المعاني الجديدة الآتية إليه من الله رب العالمين.
كان هذا اللقاء اليومي الدائم هو الذي يغير هذا الوائع البشري.
وتتفاعل النفوس بهذا الوحي المنزل، فيجد نفسه إنسانا جديدا غير ذي قبل، إنسانا جديدا بقيمه، بمشاعره، بأفراحه وأتراحه بغضبه ورضاه، بحبه وبغضه، بأمله وآلمه، باهتماماته وشواغله.
ولقد حرص القائد المربي عليه الصلاة والسلام في هذه المرحلة على توحيد مصدر التلقي وتفرده؛ ألا وهو القرآن. لقد كان هذا الجيل أميا لا يعرف القراءة والكتابة. فلم يكن ليتلقى الثقافة البشرية التي اختلط فيها الحق بالباطل، لقد كان بعيدا عن فلسفة اليونان وعلوم الرومان وحكمة فارس، لقد عاش هذا الجيل سعيدا بوحي الله فقط. يتلقاه من فم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وعندما رأى رسول الله - عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقرأ في صحيفة من التوراة غضب وقال: لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني (١).
ومن أجل هذا نرى أن يكون منهج التلقي الأول للدعاة منبثقا كله من القرآن في المرحلة الأولى، كل ما يأخذه الشاب المسلم في هذه المرحلة يدور حول هذا المحور. حتى معلوماته في الفقه والحديث والتفسير والتاريخ،