وأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة تسعة عشر يوما يحدد معالم الإسلام ويرشد الناس إلى الهدى والتقى، وخلال هذه الأيام أمر أبا أسيد الخزاعي فجدد أنصاب الحرم. وبث سراياه للدعوة إلى الإسلام، ولكسر الأوثان التي كانت حول مكة، فكسرت كلها ونادى مناديه بمكة: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره.
السرايا والبعوث.: ولما اطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الفتح بعث خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان (سنة ٨ هـ) ليهدمها. وكانت بنخلة، وكانت لقريش وجميع بني كنانة. وهي أعظم أصنامهم. وكان سدنتها بني شيبان. فخرج إليها خالد في ثلاثين فارسا حتى انتهى إليها فهدمها، ولما رجع سأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل رأيت شيئا؟ قال: لا. قال: فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها. فرجع خالد متغيظا قد جرد سيفه، فخرجت إليه امرأة عريانه سوداء ناشرة الرأس، فجعل السادن يصيح بها. فضربها خالد فجزلها اثنتين ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال: نعم، تلك العزى. وقد أيست أن تعبد في بلادكم أبدا.
٢ - ثم بعث عمرو بن العاص في نفس الشهر إلى سواع ليهدمه، وهو صنم لهذيل برهاط على ثلاث أميال من مكة، فلما انتهى إليه عمرو قال له السادن: ما تريد؟ قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهدمه؛ قال: لا تقدر على ذلك، قال: لم؟ قال: تمن. قال: حتى الآن أنت على الباطل؟ ويحك. فهل يسمع أو يبصر؟ ثم دنا فكسره، وأمر أصحابه فهدموا بيت خزانته فلم يجدوا فيه شيئا ثم قال للسادن: كيف رأيت؟ قال: أسلمت لله.
٣ - وفي نفس الشهر بعث سعد بن زيد الأشهلي في عشرين فارسا إلى مناة وكانت بالمشلل عند قديد للأوس والخزرج وغسان وغيرهم. فلما انتهى سعد إليها قال له سادنها: ما تريد؟ قال: هدم مناة. قال: أنت وذاك، فأقبل إليها سعد، وخرجت امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس، تدعو بالويل، وتضرب صدرها. فقال لها السادن: مناة دونك بعض عصاتك. فضربها سعد فقتلها، وأقبل إلى الصنم فهدمه وكسره. ولم يجدوا في خزانته شيئا) (١).