للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السمة الثامنة والعشرون

الحصار الاقتصادي والمقاطعة العامة لتحطيم الدعوة وحلفائها

وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: .. فلما رأت قريش ذلك اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابا على بني هاشم وبني عبد المطلب ألا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوا منهم شيئا ولا يبتاعوا منهم، ولا يقبلوا منهم صلحا أبدأ ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للقتل ... وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة، فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب مسلمهم وكافرهم إلى أبي طالب ودخلوا معه شعبه، فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا وكان لا يصل إليهم شيء إلا سرا .. وقطعت قريش عنهم الأسواق حتى كان يسمع صوت أبنائهم ونسائهم يتضاغون من وراء الشعب من الجوع، واشتدوا على من أسلم ممن لم يدخل الشعب وعظمت الفتنة وزلزلوا زلزالا شديدا ...

قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: وكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم أمر رسول الله فاضطجع على فراشه حتى يرى ذلك من أراد اغتياله، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمره أن يأتي بعض فرشهم (١)).

لقد أصبح قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدفا بحد ذاته لدى المشركين. فهل يغامر الحلفاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - بتمزيق صف مكة من أجله؟ وإلى أي مدى يسيرون في هذا المضمار؟ وكان الحصار وكانت المقاطعة محك الاختبار.

لقد كان الأمر قبل المقاطعة أمرا سهلا وميسورا. فلا تعدو الحماية حمية وأنفة من هذين البطنين أن تتنازل عن رجل من أبنائها لقبائل أخرى.

لكن القطيعة والحصار وجها ضربة مجهضة لهذين البطنين وعزلهم عن مكة كلها، وأنزل بهم الجوع والعري ورسم لهم طريق الإبادة. إننا لا نستغرب


(١) مختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب ص ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>