ولنعد إلى المباركفرري في عرضه القيم للبيعة:(ولما قرع هذا الخبر آذان قريش وقعت فيهم ضجة أثارت القلاقل والأحزان، لأنهم كانوا على معرفة تامة من عواقب مثل هذه البيعة، ونتائجها بالنسبة إلى أنفسهم وأموالهم فما أن أصبحوا حتى توجه وفد كبير من زعماء مكة وأكابر مجرميها إلى مخيم أهل يثرب ليقدم احتجاجه الشديد على هذه المعاهدة فقد قال: (يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا، وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا من أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم). ولما كان مشركو الخزرج لا يعرفون شيئا عن هذه البيعة لأنها تمت في سرية تامة وفي ظلام الليل، انبعث هؤلاء المشركون يحلفون بالله: ما كان من شيء، وما علمناه حتى أتوا عبد الله بن أبي بن سلول، فجعل يقول: هذا باطل، وما كان هذا، وما كان قومي ليفتئتوا على مثل هذا. لو كنت بيثرب ما صنع قومي هذا حتى يؤامروني. أما المسلمون فنظر بعضهم إلى بعض، ثم لاذوا بالصمت. فلم يتحدث أحد منهم بنفي أو إثبات.
ومال زعماء قريش إلى تصديق المشركين فرجعوا خاثبين.
وعاد زعماء مكة وهم على شبه اليقين من كذب هذا الخبر. لكنهم لم يزالوا يتنطسونه، يكثرون البحث عنه ويدققون النظر فيه حتى تأكد لهم أن الخبر صحيح، والبيعة قد تمت فعلا. وذلك عندما نفر الحجيج إلى أوطانهم، فسارع فرسانهم بمطاردة اليثربيين، ولكن بعد فوات الأوان، إلا أنهم تمكنوا من رؤية سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، فطاردوهما. فأما المنذر فأعجز القوم، وأما سعد فألقوا القبض عليه. فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله، وجعلوا يضربونه، ويجرونه، ويجرون شعره حتى أدخلوه مكة، فجاء المطعم بن عدي، والحارث بن أمية فخلصاه من أيديهم إذ كان سعد يجير لهما