لقد كان المسلمون في أيامهم الأولى، الأيام العصيبة التي تحمل نذر الهجوم على المدينة في كل لحظة، ينامون بالسلاح ويبيتون فيه، ولقد وعدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحموه مما يحمون منه أزرهم وأولادهم. وصدقوا ما عاهدوا الله عليه. والقيادة المسلمة لا بد أن تعد للأمر حسابه، فلا توهم شبابها أن نجاح المعركة الأولى من الحسم مع العدو، يعني انتهاء الجولة مع العدو، إنما يعني انتهاء جولة وشد الهمة لابتداء الجولة الثانية، والجهاد ماض إلى يوم القيامة، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وعليها أن تعد الأهبة لمواجهة العدو والاستمرار فيها بما تحتاجه هذه المواجهة من سلاح ورجال ومال وعتاد.
السمة الحادية عشرة
إعلان الحرب على العدو
كما هو معروف في فن الحرب أن الهجوم أقوى وسائل الدفاع. وقريش مصممة على خوض المعركة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلتكن المبادرة منه. ومن أجل هذا كانت السنة الأولى كلها سنة هجوم على قوافل قريش. فلقد جهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثماني سرايا وكانت كلها لاعتراض عير قريش ما عدا واحدة كانت ردا على هجوم قام به كرز بن جابر الفهري. واستمرت هذه السرايا من رمضان - السنة الأولى للهجرة إلى رمضان في السنة الثانية من الهجرة. وكان قادة هذه السرايا جميعها من المهاجرين، وكان لهذا معنى خاص في هذه الحرب. فأصل العهد مع الأنصار هو حماية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه في المدينة. وهذه السرايا تعرض للقوافل خارج المدينة. هذا من جهة.
ومن جهة ثانية، فلا بد من تدريب شباب الدعوة على الحرب، بعد أن أمروا بكف أيديهم خلال ثلاثة عشر عاما من العهد المكي.
ومن جهة ثالثة، فلا بد أن تعرف قريش أن هؤلاء المهاجرين الفارين من اضطهادها في مكة ليسوا موطن ضعف وهوان، بل هم قوة مرهوبة ذات شوكة عليها أن تحسب ألف حساب لها قبل أن تفكر في مواجهتهم.