للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[السمة السادسة: حرب المستضعفين]

لقد بقي القلق يساور المسلمين على المستضعفين في مكة. ومنظر أبي جندل بن سهيل رضي الله عنه فتت أكبادهم. غير أن قدوم أبي بصير رضي الله عنه قلب الموازين كلها لصالحهم وصالح دولة الإسلام الجديدة. ولنشهد مفهوم العهود الدولية. ومفهوم حرب العصابات من خلال هذه السمة:

(فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أتاه أبو بصير عتبة بن أسيد، وكان ممن حبس بمكة. فلما قدم على رسول الله كتب فيه أزهر بن عبد عوف، والأخنس بن شريق [إلى رسول الله كتابا مع خنيس بن جابر من بني عامر وخرج معه مولى له يقال له كوثر وفي كتابهما ذكر الصلح، وأن يرد عليهم أبا بصير، فقدما بعد أبي بصير بثلاثة أيام فقرأ أبي بن كعب الكتاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه: قد عرفت ما شارطناك عليه وأشهدنا بيننا وبينك من رد من قدم عليك من أصحابنا، فابعث إلينا بصاحبنا. فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بصير أن يرجع معهم ودفعه إليهما، فقال: يا رسول الله: أتردني إلى المشركين يفتنوني في ديني! فقال: يا أبا بصير، إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت. ولا يصلح لنا في ديننا الغدر، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا. فقال: يا رسول الله أتردني إلى المشركين! قال: إنطلق يا أبا بصير فإن الله سيجعل لك مخرجا] (١) فانطلق معهما حتى إذا كان بذي الحليفة جلس إلى جدار وجلس معه صاحباه، فقال أبو بصير: أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر؟ فقال: نعم قال: أريته أنظر إليه؟ قال: انظر إن شئت، قال: فاستله أبو بصير، ثم علا به حق قتله، وخرج المولى سريعا حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طالعا، قال: إن هذا الرجل قد رأى فزعا، فلما انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ويحك ما لك؟ قال: قتل صاحبكم صاحبي فوالله ما برح حتى طبع أبو بصير متوشحا بالسيف حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، وفت ذمتك، وأدى الله عذك أسلمتني بيد القوم وقد امتنعت بديني أن أفتن فيه أو يعبث بي. قال رسولالله - صلى الله عليه وسلم - ويل أمه محش (٢) حرب لو كان معه رجال) (٣) [وقدم سلب العامري ورحله وسيفه ليخمسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال: إني إذا خمسته رأوا أني لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه. ولكن شأنك بسلب صاحبك. ثم قال لكوثر: ترجع به إلى أصحابك؟ فقال: يا محمد ما لي به قوة ولا يدان: فقال - صلى الله عليه وسلم -


(١) بين المعترضين من إمتاع الأسماع للمقريزي ج ١:٣٠٣.
(٢) محش حرب: مسعر حرب وموقدها.
(٣) السيرة لابن هشام ج ٣: ٣٣٧ و٣٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>