[السمة الحادية عشرة: الصدام الأول مع الروم - مؤته]
قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال:
بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثة إلى مؤته في جمادى الأولى سنة ثمان واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس، فتجهز الناس ثم تهيؤوا للخروج. وهم ثلاثة آلاف. فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلموا عليهم. فلما ودع عبد الله بن رواحة من ودع من أمراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى. فقالوا: ما يبكيك يا ابن رواحة؟ فقال: أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم. ولكني سمعت رسول الله يقرأ آية من كتاب الله عز وجل يذكر فيها النار {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا}. فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود فقال المسلمون: صحبكم الله وردكم إلينا صالحين. فقال عبد الله بن رواحة:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات قرع تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي ... أرشده الله من غاز وقد رشدا
ثم إن القوم تهيؤوا للخروج فأتى عبد الله بن رواحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فودعه ثم قال: فثبت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا
إني تفرست فيك الخبر نافلة ... الله يعلم أني ثابت البصر
أنت الرسول فمن يحرم نوافله ... والوجه منه فقد أزرى به القدر (١)
وشيعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ثنية الوداع، ثم وقف وهم حوله وقال: أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا اغزوا في سبيل الله فقاتلوا من كفر الله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى إحدى ثلاث. فأيتهن ما أجابوك إليها فاقبل منهم واكفف عنهم. ادعهم إلى الدخول في الإسلام فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين فإن فعلوا فأخبرهم أن لهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، وإن دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم. فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله ولا يكون لهم في الفيء ولا في الغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم.