يختلف في المضمون لكن نرى في بعض الجزئيات إشارات لمعنى ضخم في طبيعة الدعاة فخالد رضي الله عنه يرى ابتسام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له منذ لقياه. وأنه ينظر به وعمرو رضي الله عنه يرى تهلل وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أن رآهما.
وخالد يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعدل به أحد إذا حز به أمر، وعمرو رضي الله عنه يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعدل بهما أحد إذا حز به أمر وهذه الإشارات تدل على عظمة هذا النبي سيد ولد آدم. فكل صحابي كان يشعر أنه أحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه موطن ثقته. وحده من دون الناس، وهكذا كان عمرو وخالد يشعران أنهما قد احتلا الموقع المناسب وأن كفاءتهما العسكرية والسياسة لم تذهب هدرا أو عبثا. بل كان لهما محل القيادة والريادة بين المسلمين رغم حداثة دخولهما في الإسلام.
ويبقى المعنى الأعمق والأشمل بإسلام هذه القيادات وأثر هذا الإسلام على المعسكر المكي الذي بدأ ينهار إثر هذه الضربة القاضية حتى أبو سفيان القائد العام شهد بأم عينه عند هرقل ما قاله قيصر في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت بداية الغزو النفسي له. لقد أهدت مكة إلى المعسكر الإسلامي ثلاثة أبطال من أبطالها وكل بطل ركن في عشيرته فخالد سيد بني مخزوم وعمرو سيد بني سهم، وعثمان سيد بني عبد الدار وصدق فيهم قول رسول اللهق - صلى الله عليه وسلم - لقد رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها، فهم قرة عين مكة، وقادتها الكبار ينضمون إلى معسكر النبوة.
ولإسلام عثمان بن طلحة أثر فوق هذه الآثار جميعا هو أن مفتاح الكعبة معه، فبنو عبد الدار عندهم حجابة الكعبة، وعثمان بن طلحة قد انتهت إليه هذه المأثرة. وهذا الأمر يهد قريشا هدا فهي تفاخر العرب بالبيت الحرام وأنها حاميته والذائدة عنه فإذا كان حامل مفتاح الكعبة قد غدا جنديا في جيش محمد - صلى الله عليه وسلم - فلقد انتهت ادعاءاتها في الحامية وصار عثمان بن طلحة المسلم صاحب الحجابة هو المسؤول أمام العرب عن حجابة الكعبة ورعاية البيت الحرام كما أن بني هاشم قد انتهت عندهم السقاية والرفادة وليس موقف العباس بتأييده المطلق الواضح لمحمد - صلى الله عليه وسلم - بخاف عن أحد، وقد رأينا نموذجا من هذا التأييد المطلق في خيبر، حيث لبس حلته وتخلق بطيب، ومضى يطوف حول الكبة ابتهاجا بنصر ابن أخيه محمد عليه الصلاة والسلام.
وتبدو صورة هذه المعاني في وقتنا الحاضر حين ينضم الى الحركة الإسلامية من كان يمثل موقعا مهما في المجتمع الجاهلي، كأن يكون سفيرا أو وزيرا أو ضابطا قائدا فكم يكون لمثل هذا الانضمام من أثر على قوة الحركة الإسلامية، وضربة نجلاء في صميم المجتمع الآخر. وحق لهذا العرض أن يكون سمة واضحة في هذه المرحلة من تاريخ الدعوة.