للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتخالف أنت .. ثم دعا بطست، فغسل عني الدم وكساني ثيابا وكانت ثيابي قد إمتلأت بالدم فألقيتها ثم خرجت على أصحابي فلما رأوا كسوة النجاشي سروا بذلك. وقالوا هل أدركت من صاحبك ما أردت؟ فقلت لهم: كرهت أن أكلمه في أول مرة. وقلت أعود إليه. فقالوا: الرأي ما رأيت. قال ففارقتهم وكأني أعمد إلى حاجة فعمدت إلى موضع السفن. فأجد سفينة قد شحنت تدفع قال: فركبت معهم ودفعوها حتى انتهوا إلى الشعبة، وخرجت من السفينة ومعي نفقة: فابتعت بعيرا وخرجت أريد المدينة حتى مررت على مر الظهران ثم مضيت حتى إذا كنت بالهوة فإذا رجلان قد سبقاني بغير كثير يريدان منزلا وأحدهما داخل في الخيمة والآخر يمسك الراحلتين، فنظرت فإذا خالد بن الوليد: قال: قلت: أين تريد؟ قال: محمدا. دخل الناس في الإسلام فلم يبق أحد به طعم، والله لو أقمت لأخذ برقابنا كما يؤخذ برقبة الضبع في مغارتها، قلت: أنا والله قد أردت محمدا وأردت الإسلام فخرج عثمان بن طلحة فرحب بي فنزلنا جميعا في المنزل ثم اتفقنا حتى أتينا المدينة فلما أنسى قول رجل لقيناه ببئر أبي عتبة يصيح: يا رباح يا رباح يا رباح فتفاءلنا بقوله وسرنا، ثم نظر إلينا فأسمعه يقول: أعطت مكة المقادة بعد هذين وظننت أنه يعنيني ويعني خالد بن الوليد، وولى إلى المسجد سريعا فظننت أنه بشر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدومنا فكان كما ظننت، وأنخنا بالحرة فلبسنا من صالح ثيابنا ثم نودي بالعصر فانطلقنا على أظلعنا عليه، وإن لوجهه تهللا والمسلمون حوله قد سروا بإسلامنا فتقدم خالد بن الوليد فبايع، ثم تقدم عثمان بن طلحة فبايع، ثم تقدمت فوالله ما هو إلا أن جلست بين يديه فما استطعت أن أرفبع طرفي حياء منه فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ولم يحضرني ما تأخر فقال إن الإسلام يجب ما كان قبله والهجرة تجب ما كان قبلها قال: فوالله ما عدل بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبخالد بن الوليد أحدا من أصحابه في أمر حزبه منذ أن أسلمنا. ولقد كنا عند أبي بكر بتلك المنزلة، ولقد كنت عند عمر بتلك المنزلة وكان عمر على خالد كالعاتب.

ولقد عرضنا هذه الرواية الثانية التي تعطي إيضاحات أكثر على إسلام عمرو رضي الله عنه. وتلقي أضواء على طبيعة شخصيته. فعمرو داهية العراب وقد بايع النجاشي على الإسلام لم يكن من سمته ولا من طبعه أن يطرح ما في نفسه على صحبه كما فعل خالد رضي الله عنه. بل كتم الأمر عنهم وأوهمهم بكسوة النجاشي أنه لا يزال على عهده واستحيا طلب رسول محمد - صلى الله عليه وسلم - لهذه الهدية، واتنسل عن صحبه يبحث عن سفينة تقوده إلى يثرب.

وتبرز طبيعة شخصيته ثانيا حين التقى مع خالد ولم يظهر مقدمه للإسلام حتى اطمأن إلى خالد أنه ماض إلى المدينة ليسلم. فشخصيته التي تقوم على أساس الحذر والحيطة المناسبتين لطبيعة الداهية تقتضي منه هذه المواقف.

والملاحظ أن عرض عمرو رضي الله عنه لإسلامه وإسلام خالد بين يدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا

<<  <  ج: ص:  >  >>